التفكير الحر حق لكل مواطن عربي

كتب

كتاب: الملاك (الجاسوس المصري الذي أنقذ اسرائيل)

الملاك: الجاسوس المصري الذي أنقذ اسرائيل

كتاب "الملاك" للمؤلف الاسرائيلي ( يوري بار – جوزيف) والصادر بنسخته العربية/المصرية  سنة 2018 عن الدار العربية للعلوم ناشرون  ويقع في (334صفحة) من القطع المتوسط موزعة على ثلاثة عشر فصلا  تروي بشكل مفصل أهم المراحل التي مر بها أشرف مروان والملقب لدى أجهزة الموساد ((بالملاك)) ويمثل إحدى أكثر قصص الجاسوسية إثارة في القرن العشرين؛ حيث يسلط الضوء على الحياة الباهرة لأشرف مروان وكذلك الموت المريب له، وكيف عمل الموظف المصري الرفيع سراً لمصلحة الموساد الإسرائيلي. من موقعه كصهر للرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر ومستشار مقرَّب من خلفه، أنور السادات، إذ استطاع أشرف مروان الوصول إلى أدق أسرار حكومة بلاده. لكن، كان لدى مروان سرّه الخاص: لقد كان جاسوساً للموساد( وكالة الاستخبارات الإسرائيلية الشهيرة).

هل كان عميلا؟

يشير الكتاب إلى أن  أشرف مروان، الذي كان معروفاً لدى الموساد باسم "الملاك"، حوَّل مصر إلى كتاب مفتوح وأنقذ إسرائيل من هزيمة نكراء بتزويده الموساد الاسرائيلي بمعلومات مسبقة عن الهجوم المشترك المصري السوري في حرب اكتوبر 1973. الملفت في الأمر أن مروان استطاع تضليل الشرطة السرّية المصرية الصارمة لعقود في السنوات اللاحقة، و استمتع بحياة مترفة، لكنها وصلت إلى نهاية صاعقة في عام 2007، حين عُثر على جثته في الحديقة أسفل مبنى شقته في لندن. شكَّت الشرطة في احتمال أن يكون قد رُمي من شرفته في الطابق الخامس، لكن القضية بقيت غير محسومة. ولغاية الآن، بعد موت مروان، لم يُكشف سوى النذر اليسير عن حياته الغامضة. إن كتاب "الملاك"، الذي يستند إلى أبحاث دقيقة ومقابلات حصرية مع الشخصيات الهامة ذات الصلة، هو أول كتاب يناقش دوافع مروان في التجسس، وكيف تم الكشف عن هويته كجاسوس للموساد، وكيف تمت الاستفادة منه – وإساءة استخدام – المعلومات التي قدَّمها. وبالتوسع حول هذه القضية، يُلقي الكتاب الضوء على التاريخ المعاصر للشرق الأوسط والدور الحاسم للجاسوسية البشرية في تشكيل مصير الأمم.

الجنازة اللغز

يبدأ الكتاب من الجنازة التي أقيمت لأشرف مروان واصفا بعض التفاصيل التي اعترت هذه الجنازة الغريبة فعلى الرغم من الحضور الرسمي لشخصيات مهمة في النظام المصري إلا أن  الرئيس حسني مبارك لم يتمكن من الحضور بسبب انشغاله بأعمال القمة الافريقية إلا أن عدد من الشخصيات البارزة من بينهما عمر سليمان، وابن الرئيس (جيمي) جمال  والذي كانت تنتشر اشاعات واسعة عن كونه مرشحا من قبل والده لخلافته قد حضرا الجنازة بالإضافة إلى شخصيات أخرى لا تقل أهمية عنهما بالرغم  من ذلك وبالرغم من البيان الذي صدر عن الرئاسة المصرية، والتي وصفت أشرف مروان بالوطني الذي قدم خدمات جليلة لوطنه إلا أنه ساد شعور كبير لدى كل من تابع الجنازة عن قرب أو بعد بأن هنالك شيء تخفيه البيانات الرسمية والصورة التي حاولت وسائل الإعلام المصرية ومن ورائها أجهزة الدولة الرسمية وعلى رأسها جهاز  أمن الدولة والاستخبارات العامة رسمها بدقة لصاحب الجنازة بحيث تظهر  صورة ضبابية لا توحي بالقرب من النظام.

أزمة نفسية وطموحات كبيرة

يتحدث الكاتب عن نشأت أشرف مروان وكيف أنه سليل عائلة بالرغم من كونها عريقة النسب إلا أنها تعد متوسطة الحال معتبرا أن ذلك كان له الأثر الكبير في حياة أشرف مروان الذي كان يعتقد أنه يجب أن يكون في وضع مالي وبالتالي اجتماعي أفضل بكثير مما هو عليه وهذا ما دفعه إلى التقرب من منى عبد الناصر  بعد أن أصبح والدها الرئيس الفعلي لمصر وساعده في ذلك فضلا عن جاذبيته الشخصية ونسبه الرفيع وسامته وذكاؤه كما مهدت الطريق له أخته التي كانت صديقة عزيزة لابنة الرئيس.

يشير الكتاب إلى أن أشرف مروان تعرف على منى جمال عبد الناصر في نادي (هيليوبوليس) والذي كان يرتاده أفراد الطبقة العليا من المجتمع بأعضائه الجدد من العسكر و كانت تشاركه الكثير من طباعه، وأفكاره من حب الحياة الفارهة والبذخ إلا أنها كانت أقل ذكاء وأكثر سطحية منه ما سهل عليه استغلالها مستقبلا. كما يوضح الكتاب أن منى عبد الناصر كانت تسعى لعيش حياة تختلف جذريا عن تلك التي  كان يدعو لها والدها وسرعان ما وقعت في حب أشرف مروان وتزوجها بعد ذلك بالرغم من تحفظ جمال عبد الناصر بادئ الأمر  عليه هذا التحفظ الذي تطور عبر الزمن حتى مثل فجوة كانت سببا من الأسباب التي دفعت أشرف مروان للعمل مع جهاز الموساد بهدف الانتقام من عمه الذي بالرغم من موقفه منه إلا أنه كلفه بمهام شديدة الحساسية ما يعني أنه لم يفقد الثقة فيه نهائيا رغم أنه كان حذرا تجاهه.

حياة غارقة بالملذات

يذكر الكتاب أنه في عام 1968 انتقل أشرف مروان وزوجته للحياة في لندن بعد أن أقنعت منى والدها برغبة أشرف بإكمال دراسته العليا هناك حيث أصبح أحد موظفي السفارة المصرية في بريطانيا بالإضافة إلى دراسته في الجامعة، انغمس مروان مباشرة في الحياة الفارهة في لندن وغرق في ملذاتها فأصبح معروفا في صالات القمار ، والسهرات الحمراء حتى أن احدى شيخات الكويت وهي سعاد المحمد الصباح سددت عنه مبلغا كبيرا بسبب لعب القمار. ومن ثم تم اعداد تقرير مفصل عن الحياة التي يعيشها مروان في لندن وحجم الانحلال والبذخ الذي انغمس فيه وعند رفع هذا التقرير لجمال عبد الناصر غضب بشدة وطلب عودته مباشرة إلى مصر إلا أن مروان استطاع أن يستغل حب منى عبد الناصر لتحقيق غاياته.

الاتصال بالموساد الاسرائيلي

يحدد الكتاب عام (1971م) كتاريخ أول مبادرة من قبل مروان للاتصال بالموساد عبر السفارة الاسرائيلية في لندن عندما كان هناك بشكل مباشر وعرض التعاون معهم حيث فشلت محاولاته في بدايتها بسبب شكوك الموساد إلا أنه في النهاية تم التواصل بينه وبين أحد ضباط الموساد الكبار ليتم توظيف مروان بعد هذا للقيام بأخطر عمل يمكن أن يقوم به رجل من رجالات الصف الأول لدى النظام المصري بل هو زوج ابنت الرجل الذي تعتبره اسرائيل عدوها الأول.

دوافع التجسس

يحاول الكتاب تقديم تفسيرات عديدة لاتصال مروان بالموساد الاسرائيلي إلا أنه في النهاية يخلص إلى أن الدافع وراء تقديم خدماته للمساد الاسرائيلي هي مزيج من حالة الكبر والغطرسة وحب الانتقام وازدواجية الولاء لدى أشرف مروان فضلا عن عمليات الابتزاز التي قامت بها أجهزة الموساد بعد ذلك للاستفادة منه بالحد الأقصى.

أورد مؤلف الكتاب مجموعة من المعلومات الدقيقة والحساسة والتي يمكن وصفها بالخطيرة جدا التي قدمها أشرف مروان بحكم كونه قريبا جدا من مركز صنع القرار سواء في عهد والد زوجته جمال عبد الناصر  أو في عهد السادات حيث شغل مناصب غاية في الحساسية، والخطورة. قد تكون المعلومات التي زود مروان بها اسرائيل والخاصة بخطة حرب أكتوبر 1973 أخطرها لكن هنالك معلومات لا تقل خطورة عن هذه المعلومات والتي كانت تعطي الموساد تصورا دقيقا عن واقع القدرات العسكرية المصرية ولولا أن شاءت الأقدار أن لا يتعامل الاسرائيليون بالجدية المطلوبة مع المعلومات التي زودهم بها مروان لأوقعت اسرائيل بمصر هزيمة نكراء.

أسئلة تبحث عن اجابات

الكتاب في النهاية يطرح أسئلة مهمة وحساسة أكثر مما يقدم اجابات للقارئ منها:

كيف استطاع أشرف مروان أن يخدع الاستخبارات المصرية؟ على الرغم من أن مروان لم يكن حذرا بالقدر المطلوب أو المعقول عند اتصاله بالموساد فقد أورد الكتاب العديد من القصص التي تؤكد هذه المعلومة من مبادرته للاتصال بالسفارة الاسرائيلية في لندن من هاتف عادي وطلب مقابلة مسؤول من الموساد معرفا بنفسه ، أو   بمقابلته أحد ضباط الموساد في منزل كانت تجلس في احدى غرفه فتاة ليل كان سيقيم علاقة معها بعد انتهاء المقابلة أو ذهابه للسفارة الاسرائيلية بسيارة تابعة للسفارة المصرية .

كيف كلف مروان من قبل الرئيس جمال عبد الناصر بالقيام بمجموعة من المهام الحساسة؟ على الرغم من الشكوك الكبيرة التي كانت تحيط به والتي عززها المقربون من ناصر وكانت تستند إلى الكثير من المنطق.

ما هو سبب الثقة التي منحها السادات المنقلب على نظام جمال عبد الناصر لأشرف مروان؟ بالرغم من كون الأخير محسوبا على نظام ناصر فضلا عن كونه زوج ابنته.

لماذا لم تتعامل اسرائيل مع المعلومات التي قدمها مروان عن حرب (73) بالجدية المطلوبة؟ بالرغم من كونه مجرب من قبلهم وقد ثبت صحة بل دقة المعلومات التي زودهم بها سابقا.

والسؤال الأهم: من قتل أشرف مروان؟ ولماذا لم يتبرأ مبارك منه؟ بالرغم من وجود أدلة دامغة تأكد عمالته لإسرائيل.

 

 

 

 

  

 


منتدى ثقافي علمي ناطق بالعربية وهو مساحة نتشاركها جميعًا لنتحدث عما يجول في أذهاننا وما نتحدث فيه مع أصدقائنا في ما لا تتطرق له وسائل الإعلام، سواءً كانت فكرة جمعك حولها نقاش مع أصدقائك،.