التفكير الحر حق لكل مواطن عربي

كتب

مذكرات (أوباما) أرض الميعاد

 

نشر الرئيس الأمريكي السابق (باراك أوباما) مذكراته بما يقارب (800صفحة) في نوفمبر/تشرين الثاني 2020 ،و قد بيع منها (1.7مليون نسخة) خلال الأسبوع الأول من عرضها وعليه يمكن أن تكون المذكرات الرئاسية الأكثر مبيعا في تاريخ أمريكا. وفي رأي الكثير من المحللين والمختصين أن هذه المذكرات ذات قيمة كبيرة بسبب صراحة الرئيس الأمريكي السابق خلافا لأسلافه فقد كانت مزيجا لما ينبغي أن يقوله (أوباما) والطريقة التي قاله فيها . وفي هذه السطور يعرض منتدى التفكير العربي أهم ما ورد في مذكرات الرئيس السابق للولايات المتحدة الأمريكية(باراك أوباما) من مواضيع واشارات تتعلق بالعالم العربي وقضاياه.

 

الصراع بين المثاليات التي يغرق فيها عقله والواقع الذي يعيش فيه

 

تحدث (أوباما) في مقدمة كتابه عن جملة من الصراعات التي واجهها في الـ(100يوم) الأولى من رئاسته؛ صراعات بين (أوباما الذي يعرفه) و(أوباما آخر لا يعرفه). أو كما وصفته زوجته (ميشيل): "بأنه  صراع بين العالم على ما هو عليه ، والعالم كما يجب أن يكون عليه" ، صراع بين أحلامه ورسالته، بين الواقع والمسؤولية؛ مستشهدا بذلك بالأوامر التي أصدرها وكانت السبب في قتل مجموعة مراهقين من القراصنة الصوماليين اختطفوا سفينة شحن عام2009. وقد كان سابقا يدعوا إلى إنقاذهم، وتوفير الأمان لهم، وتعليمهم، وتخليصهم من الحياة البائسة التي يعيشونها والتي دفعتهم إلى القيام بمثل هذه الأعمال. صراعه بين الدعوة إلى الديمقراطية وضمان الحريات وحقوق الانسان وبين دعمه لأنظمة مستبدة تقمع شعوبها وتصادر حرياتهم وتنتهك أبسط حقوقهم للمحافظة على الاستقرار في المنطقة، ولضمان مصالح أمريكا، الصراع بين أخذ موقف نزيه مما تقوم به اسرائيل من عمليات استيطان واسعة تمثل انتهاكا للقوانين الدولية، وبين الخشية من أن يوسم بمعاداة السامية ويقع تحت تأثير اللوبي الصهيوني الفاعل في الولايات المتحدة. لكنه في النهاية أدرك أن هنالك فارق كبير  بين أحلامه وبين واقع السياسة واتخاذ القرار في البيت الأبيض معتبرا الرئيس الأمريكي موظفا غير مطلق الصلاحية وطاقمه في البيت الأبيض مجتمع انساني عادي من الموظفين.

 

بعض زعماء العالم والدول العربية في عيون (أوباما)  

 

أولا تجدر الاشارة هنا إلى أن المذكرات تتحدث عن الحقبة الأولى من ولاية (أوباما) حيث لم تكن بعض الشخصيات الموجودة حاليا قد ظهرت على الساحة بعد ، وقد سجل (أوباما ) انطباعاته عن بعض الشخصيات التي التقاها مثل رئيس الوزراء البريطاني (ديفيد كامرون) الذي وصفه بأنه شخص هادئ ومتزن وواثق عازيا هذا للحياة المستقرة الخالية من المعاناة التي عاشها في حين وصف المستشارة الأمريكية (ميركل) بأنها لطيفة جدا بالفطرة على الرغم من حالة الشك التي سادت العلاقة بينهما بادئ الأمر ، و  وصف الرئيس الفرنسي ( ساركوزي) بديك( البانتام) مشبها إياه بطفل مضطرب ذي مزاج متقلب، وحيوي، قادر على الإدلاء بتعليقات خلال خطاباته.كما وصف (مانموهان سينغ) رئيس وزراء الهند السابق بالحكيم الرصين،  أما الرئيس الروسي (بوتين) فقد وصفه من الناحية الجسدية بأنه قصير القامة،وقوي البنية يمتلك تكوينا جسديا كمصارع،ومن الناحية النفسية فهو  مراوغ يذكره (ببارونات)السياسة التي قابلهم بداية حياته السياسية، والذين يعتبرون الرشوة، والفساد، والمحسوبية، والغش، واستخدام القسوة جزء مشروع من أدواتهم، و أنه يترك انطباعا لدى محدثه بعدم مبالاته بما يقول بسبب ثقته الزائدة في السلطة وقد نجح في أن يجعل من روسيا دكتاتورية ناعمة بحيث كرس كل السلطات في يده، ويد المحسوبين عليه لكن في المقابل يعتقد (أوباما) بأن( فلاديميربوتين) يمتلك شعبية في الشارع الروسي لا تقل عن(60%) بسبب حالة الاستقرار التي أوجدها، وعزفه المستمر على وتر القومية الروسية .

  تحدث كذلك عن الرئيس التركي (رجب طيب أوردوغان) واصفا إياه بالشخص الودود الذي استجاب لطلباتهم لكنه في المقابل أفصح عن مشاعره تجاهه بقوله:" كان لدي انطباع قوي بأنه ملتزم بالديمقراطية وحكم القانون بالقدر الذي يحافظ فيه على سلطته"  كما تحدث عن خلفه (ترامب)واصفا إياه بشخص لا يبالي بالحقيقة، وأنه يستغل مشاعر العنصرية المضطربة لدى فئة من الأمريكيين في خطاباته لخلق شعبية له دون أن يبالي بانعكاسات هذه المشاعر على المجتمع الأمريكي، أما نائبه (بايدن) فقد وصفه بكثير الكلام الذي لا يبالي  بالوقت المحدد أو ردود فعل المستمعين، وأنه لا يضع ضوابط على حديثه. وبالنسبة  لرئيس الوزراء الاسرائيلي (بنيامين نتنياهو) فقد وصفه باليميني المتشدد الذي يحمل قدرا كبيرا من مشاعر الكراهية تجاه العرب .

و في العالم العربي فقد قابل العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله بن عبد العزيز وذكر  حديثهما عن زوجات الملك وكيف يمكنه تحقيق المساواة بينهم ، وكذلك تحدث عن محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي واصفا إياه بأنه شاب ذا شخصية مركبة، أما بالنسبة لحسني مبارك فقد وصفه بالمستبد الطاعن في السن الذي  يتحدث اللغة الانجليزية بلكنة غريبة وأنه يقود نظاما قمعيا يتصف بالفساد والاستبداد وكتب عن انطباعه بعد مقابلته الأولى لمبارك  عام 2009 في القاهرة، :" خرجت بانطباع سيصبح مألوفًا جدًا في تعاملي مع الحكام المستبدين المسنين:يعيشون في عزلة في قصورهم،وكل تفاعل لهم يتم بوساطة موظفين جامدي المشاعر وخنوعين يحيطون بهم؛ لم يكونوا قادرين على التمييز بين مصالحهم الشخصية ومصالح شعوبهم».

 

أوباما والعالم العربي

 

يبدو العالم العربي في كتاب (أوباما) منطقة بعيدة يهيمن عليها الاستبداد، وتعيش غالبية شعوبها في فقر وبطالة وسخط على نظمها، وعلى أمريكا. ولا يبدو (أوباما)، أو أغلب المحيطين به من قيادات سياسية، كوزراء الدفاع، والخارجية، والاستخبارات، معنيين بتحمّل أي تكاليف سياسية أو أعباء خارجية من أجل دفع حكام تلك المنطقة إلى التغيير. وتبدو أميركا بمؤسّساتها وتقاليدها السياسية الراسخة راضيةً بالتعامل مع الوضع القائم، وغير راغبة في تغييره، بالرغم من قناعتها التامة بأن أنظمة هذه المنطقة أنظمة قمعية مستبدة لا تعبأ بغير  مصالحها الشخصية وغير قادرة على تحقيق التنمية أو توفير حياة كريمة لمواطنيها.

وفي هذا السياق كتب(أوباما): "إن تحالف أميركا مع مصر منذ توقيع أنور السادات اتفاقية سلام مع إسرائيل في 1979م جعل أميركا تغضّ الطرف عن فساد النظام المصري المتزايد، وسجله الرديء في حقوق الإنسان " ويضيف في جزء آخر: " داخل البيت الأبيض كنا نتناقش دوما في التحديات بعيدة المدى التي تواجه الشرق الأوسط مع فشل الدول البترولية في تنويع اقتصادها وكنا نسأل أنفسنا: ماذا سيحدث لو جفت عوائدهم النفطية؟ لكن أكثر ما كان يقلقنا هو الطبيعة الاستبدادية والقمعية لجميع الحكومات العربية، وأنا لا أتحدث هنا عن نقص الديمقراطية بل أعني أن من يمتلكون السلطة فعلا لا يمكن محاسبتهم أمام من يحكمونهم" .

 كذلك سجل (أوباما) انطباعاته عن زيارته لكل من مصر والسعودية؛ ففي مصر لاحظ أن القاهرة التي يبلغ عدد سكانها نحو (16 مليون مواطن) كانت شوارعها فارغة بما في ذلك الشوارع الأكثر ازدحاما لم يكن فيها غير عناصر الشرطة الذين كانوا منتشرين في كل مكان ما اعتبره دليلا على القبضة الأمنية غير العادية لمبارك، وعن لقائه بمبارك كتب: " اقترحت عليه خطوات الإفراج عن السجناء السياسيين، وتخفيف القيود على الصحافة لكن مبارك تحدث الإنجليزية بلكنة مختلفة لكنها مقبولة وصرف مخاوفي بأدب وأصر على أن أجهزته تستهدف المتطرفين الاسلاميين فقط وأن المواطنين المصريين يؤيدون منهجه الحازم "

خلال الرحلة نفسها، تكونت لدى( أوباما) صورة قاتمة عن المملكة العربية السعودية وفصلها الصارم بين الجنسين وقوانينها الدينية، وقال إن القصر حاول منحه مجوهرات فاخرة.حيث كتب «صُدمت من الشعور بالقمع والحزن الذي يولده مثل هذا المكان الذي يمارس الفصل، وكأنني دخلت فجأة إلى عالم أُسكتت فيه كل الألوان».

 

الموقف من الربيع العربي

 

يعتبر أوباما انطلاق الثورات العربية بعد عامين من ولاياته في 2010 التحدي الأصعب فقد كان واقعا -حسب وصفه- بين فكي كماشه فمن جهة كان يريد المحافظة عل مصالح الولايات المتحدة، وحلفائها ومن جهة أخرى كان عليه أن يستمع إلى ذلك الحراك المطالب بالديمقراطية والعدالة ذات القيم التي كان ينادي بها هو شخصيا ويفترض، بأن بلاده تدعمها أيضا .

  • الثورة التونسية:

نفى (أوباما) بشكل ضمني ما راج حول تدخل بلاده في كواليس الأحداث في تونس وأكد على أن الإدارة الأمريكية تفاجأت بما حصل، وقد استهل حديثه عن تونس بمحمد البوعزيزي، واصفا إياه بـ "بائع فواكه أضرم النّار في جسده في سيدي بوزيد... احتجاجا منه على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية التي يعيشها، وتعبيرا منه عن غضبه من حكومة يعرف أنّها فاسدة وغير مبالية باحتياجاته".وأضاف: "أثارت معاناة بائع الفاكهة احتجاجات ضدّ الحكومة التونسية في جميع أنحاء البلاد. وفي  14 يناير/كانون الثاني 2011 فرّ بن علي مع أسرته إلى المملكة العربية السعودية وفي الوقت نفسه وُلدت حركات مماثلة يقودها الشباب بشكل أساسي في كل من الجزائر واليمن والأردن وعمان.. وهي البراعم الأولى لما أصبح يسمى الربيع العربي".

وكتب (أوباما)، أنّه كان حائرا إيزاء ما سيقوله حول ما يقع في تونس، خلال خطاب "حالة الاتحاد"  الذي ألقاه بتاريخ 25 يناير/كانون الثاني 2011، إلا أنه في النهاية قال: "الليلة أريد أن أقولها بوضوح: الولايات المتحدة الأمريكية تقف إلى جانب الشعب التونسي وتدعم تطلعات جميع الشعوب إلى الديمقراطية".

  • الثورة المصرية:

يظهر (أوباما) في مذكراته عند الحديث عن الثورة المصرية بالتحديد حجم التناقضات التي كان يعاني منها وعن ذلك كتب  ''لو كنت مصريا في العشرين من عمري لكنت مع المحتجين في ميدان التحرير، لكنني لست مصريا، ولم يعد عمري عشرين سنة، لقد كنت رئيس الولايات المتحدة الأمريكية" .وعليه حاول عرقلة تكرار السيناريو التونسي في مصر  وأضاف أنه قد هاتف الرئيس مبارك وسأله عن مدى احتمال امتداد المظاهرات إلى مصر  فأخبره مبارك أن مصر ليست كتونس؛  لكن مصر سارت على نفس المسار الثوري، وغص ميدان التحرير بالشباب الذي أبدى (أوباما) اعجابه بهم قائلا بأنهم لا يختلفون عن شباب حملته الرئاسية أو عن الشباب الذين أسقطوا جدار  برلين لكن موقعه كرئيس للولايات المتحدة لم يكن يسمح له بالارتكان لمثل هذه الأمور وعن ذلك كتب : "إنّ "الحكومة الأمريكية وجدت نفسها ممزقة بين حليف استبدادي ولكن يمكن الاعتماد عليه، وبين شعب يسعى إلى التغيير".  موضحا أن خوفه على مصالح أمريكا وقلقه من صعود قوى أقل ولاء لواشنطن قد دفعاه لعدم التخلي عن مبارك والاكتفاء بمطالبته بإجراء اصلاحات سياسية. وكذلك كشف موقف كبار مسؤولي الإدارة الأمريكية الذين عارضو التخلي عن مبارك وكان على رأسهم نائبه (جوزيف بايدن)، و وزيرة خارجيته (هيلاري كلنتون) التي كانت ترغب في الحفاظ على الاستقرار في المنطقة. ولكن مبادرات مبارك فشلت وهنا قرر(أوباما) الاتصال بمبارك الذي بدى منعزلا نهائيا عن الواقع لكنه وافق على طلبه بإرسال مبعوث لتشاور معه بشكل مفصل ووقع الاختيار على (فرانك ويزنر) سفير أمريكا السابق في مصر لكن مبعوث( أوباما ) فشل في مهمته بسبب تعنت مبارك وهنا قرر(أوباما) الاتصال مجددا بالرئيس المصري وابلاغه رسالة واضحة بأن عليه أن يعلن عدم ترشحه مجددا وأن يقدم خطة واضحة للانتقال السياسي على أن يظل مبارك في خلفية المشهد وذلك لضمان انتخاب حكومة لا يسيطر عليها الاخوان، وعن ذلك كتب:

" لو استمر مبارك في السلطة وطالت الفترة الانتقالية أكثر من اللازم أعتقد أن المظاهرات كانت سوف تستمر،وربما تخرج الأمور عن السيطرة لو أراد مبارك ضمان حكومة مسؤولة ولا يسيطر عليها الاخوان فإن هذا هو الوقت المناسب لتنحي، واستخدام مكانته خلف الستار  للمساعدة في بداية عهد جديد لمصر لكن مبارك دخل في حالة من الجدال، والرفض مصورا المتظاهرين بأنهم أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين ومصرا بأن الوضع سيعود سريعا لما كان عليه قبل الثورة" وذكر في موضع آخر  " في الحقيقة كان يمكنني التعايش مع أي خطة يقدمها مبارك للتغيير حتى لو تركت معظم شبكة نظامه القائم دون مساس كنت واقعيا بما يكفي لكي أفترض أنه لولا الاصرار العنيد لهؤلاء الشباب في ميدان التحرير لكنت عملت مع مبارك بقية فترة رئاستي رغم كل ما يمثله كما كنت سأعمل مع بقية النظام السلطوي الفاسد المتعفن الذي يتحكم في الحياة بالشرق الأوسط.

لكن أوباما في نهاية المطاف ومع تزايد عمليات قمع المتظاهرين إضطر إلى مطالبة الرئيس مبارك بالتنحي، وعن مبررات ذلك كتب: "قد لا أتمكن من منع الصين أو روسيا من سحق معارضيهما. لكن نظام مبارك تلقى مليارات الدولارات من دافعي الضرائب الأميركيين؛ لقد زودناهم بالأسلحة وتبادلنا معهم المعلومات، وساعدنا في تدريب ضباطهم العسكريين؛ وبالنسبة لي فان السماح لمتلقي تلك المساعدات، لشخص نسميه حليفًا، بارتكاب أعمال عنف وحشية ضد المتظاهرين السلميين، أمام أنظار العالم كله، كان ذلك خطًا لم أرغب في عبوره".

كما كشف (أوباما ) عن أن هذه الدعوة عرضته لضغوطات عدة من أطراف خارجية كرئيس الوزراء الاسرائيلي (بنيامين نتنياهو) الذي كان من أكثر القادة قلقا على مصير مبارك، والذي قال لأوباما إذا ما تخليتم عن مبارك فستجدون إيران قد وصلت إلى مصر خلال ثانيتين، كما استفزت دعوة مبارك للتنحي مجموعة من القادة العرب كان في مقدمتهم العاهل السعودي الراحل عبدالله بن عبد العزيز الذي رأى بأن هذه المظاهرات يقف وراءها  ايران، وحزب الله، وحركة حماس . أما ولي عهد أبوظبي والحاكم الفعلي لدولة الإمارات محمد بن زايد فقد كان أكثر وضوحا من الجميع و حذره من التخلي عن مبارك حيث قال بن زايد: أن دول الخليج تراقب طريقتكم في التصرف مع الدولة المصرية، وأنه اذا سقطت الدولة المصرية، وتولت جماعة الاخوان المسلمين الحكم فإن الضرر لن يلحق بالرئيس مبارك وحده، لكن هنالك ثمانية أنظمة عربية قد تتعرض للانهيار والسقوط، وسأله ماذا يمكن أن يحدث بعد ذلك اذا طالب المحتجون في البحرين بتنحي الملك هل ستفعل الولايات المتحدة مثلما فعلت مع مبارك في مصر ؟! وقال له ان أميركا ليست شريكا يعتمد عليه في المستقبل البعيد.

كما استنتج (أوباما) من الطريقة التي تعاملت بها الأنظمة العربية التي اندلعت فيها احتجاجات شعبية عقب الثورة المصرية أن الدرس الأهم الذي تعلمه الحكام العرب من التجربة المصرية هو سحق المظاهرات بشكل منظم وبلا رحمة.

  •  الثورة الليبية:

عن ليبيا التي وصلتها رياح الثورة العربية في شباط /فبراير 2011 كتب( أوباما) : "ان تلك المذبحة المروعة قد كتبت نهاية القذافي لدى الادارة الأمريكية". ولكنه في المقابل كان منزعجا من توريط بريطانيا وفرنسا له في تلك الحرب. كما وصف موقف جامعة الدول العربية من دعم التدخل العسكري في ليبيا "بالنفاق"، وذلك بسبب استبداد غالبية أعضائها الداعمين للقرار. 

  • الثورة في سوريا:

أما سوريا فلم يتحدث عنها كثيرا وقد ورد في مذكراته " ان سوريا قد شهدت العنف الأسوء على الاطلاق حيث الانقسامات الطائفية والأقليات المتنعمة التي حكمت أكثريات عريضة وساخطة وهذا هو جوهر الصراع" وعن موقفه العاجز تجاه سوريا كتب: "كانت سوريا خصما للولايات المتحدة منذ أمد طويل فهي حليف تاريخي لروسيا، وايران، ومساندة كذلك لحزب الله ،وفي غياب الروافع الاقتصادية والعسكرية، والدبلوماسية كالتي كنا نمتلكها في مصر  فإن ما قمنا به من ادانات رسمية لنظام الأسد لم يكن له تأثير فعلي وكان في وسع الأسد أن يعتمد على روسيا لاستخدام الفيتو ضد أي مجهود لفرض عقوبات دولية عبر مجلس الأمن الدولي في الأمم المتحدة" .   

  • الثورة في البحرين:

 تطرق (أوباما) إلى الاحتجاجات التي اجتاحت البحرين، وكيف أنها أظهر ت تناقضات مواقفه واجراءاته مقارنة بموقفه من مصر حيث قال انه ظل مكتوف اليدين أمام محدودية خيراته ورغبته في الحفاظ على مصالح واشنطن حيث كتب:

" بالنسبة للبحرين فكانت بعكس المشكلة مع سوريا انها دولة حليفة للولايات المتحدة منذ أمد بعيد، وتستضيف الأسطول الخامس للبحرية الأمريكية، وقد نظرت العائلة الحاكمة في البحرين للمتظاهرين كأعداء متأثرين بإيران...  ورغم البيانات المتعددة من ادارتي التي تدين العنف في البحرين إلا أنه عندما حان وقت الضغط لم نتمكن من المخاطرة بموقعنا الاستراتيجي في الشرق الأوسط   بقطع العلاقات مع ثلاث دول خليجية "

 

وعن خلاصة موقفه من الربيع العربي كتب" لم يكن لدي طريقة أنيقة، لشرح التناقض الظاهر سوى الاعتراف بأن العالم كان فوضويا وبأنه في إدارة السياسة الخارجية يجب علي الموازنة باستمرار بين المصالح المتنافسة؛ المصالح التي تشكله اختيارات الإدارات السابقة وتفرضها الطوارئ المستجدة وإذا لم أستطع أن أقدم أجندة حقوق الانسان على غيرها من الاعتبارات فإن ذلك لايعني أنني لم أحاول ما بوسعي عندما كنت أستطيع انطلاقا مما اعتبرته أعلى القيم الأمريكية ".  

 

القضية الفلسطينية

 

عن حجم التناقض والنفاق الذي تواجه أي إدارة أمريكية بسبب طبيعة العلاقة بإسرائيل كتب (أوباما): " كل دول العالم اعتبرت أن الاحتلال الاسرائيلي للأراضي الفلسطينية انتهاكا للقانون الدولي ولذلك وجد الدبلوماسيون الأمريكيون أنفسهم في وضع غريب يتطلب منهم الدفاع عن السياسات الاسرائيلية التي نعارضها كما كان ينبغي على المسؤولين الأمريكيين أن يشرحوا أيضا لماذا يعد نفاقا منا أن نضغط على دول مثل الصين أو إيران من أجل حقوق الانسان في حين لا نبدي سوى اهتمام قليلا بحقوق الفلسطينيين في الوقت نفسه استمر الاحتلال الاسرائيلي في اشعال غضب العرب وتغذية المشاعر المعادية لأمريكا عبر العالم الاسلامي ". وقد عزى هذا النفاق لقوة اللوبي الصهيوني  المتمثل في لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (إيْباك) ضاربا مثالا على حجم تأثيرها بعاصفة المكالمات التي تلقاها البيت الأبيض عندما طلب من رئيس الوزراء الاسرائيلي(نتنياهو)عام 2009 وقف عمليات الاستيطان تمهيد لإحياء مفاوضات السلام في الشرق الأوسط حيث واجه ضغوطا من كل الاتجاهات بما في ذلك أقرب حلفائه الذين كانوا في مجلس الشيوخ يعارضون الاستيطان علنا، كاشفا عن أن  الرئيس أمريكي الذي يحاول ممارسة أي ضغط على اسرائيل اما أن يواجه اتهاما بمعاداة السامية أو يواجه خصما صعبا ممولا بشكل جيد.

يعتقد (أوباما) بصعوبة حل القضية الفلسطينية بسبب وجود طرفين؛ الطرف الأول و المتمثل بإسرائيل يشعر بالقوة الزائدة وبالتالي هو غير مستعد لتقديم أية تنازلات، والطرف الثاني المتمثل بالرئيس محمود عباس وهو ضعيف إلى درجة العجز. كما عبر عن انطباعه الذي خرج به بعد استضافته في واشنطن في سبتمبر/ أيلول 2009 قمة عربية إسرائيلية لإعادة إطلاق مفاوضات السلام، أن العملية أشبه بالمسرحية التي شاهدها مرات عديد متهما أطرافها بالنفاق " فنتنياهو يوجه اللوم لعباس وهو المسؤول عن اضعافه أما عباس فيتهم نتنياهو بارتكاب جرائم حرب لكنه يفاوضه سراعلى عقود اقتصادية، وأما القادة العرب فيعلنون حسرتهم على ظلم الفلسطينيين في حين  تطارد أجهزتهم الأمنية المعارضين بلا رحمة" . وعن ذلك كتب:  " شعر ت بأن القادة العرب الذين شاركوا في القمة الرامية لإعادة إطلاق عملية السلام كانوا أشبه بممثلين بارعين يرتدون أقنعة، ومدرّبين على إسماع الرئيس الأميركي ما يريد سماعه، ليعودوا بعد ذلك إلى بلادهم، ويستمروا في سحق المعارضين".

 


منتدى ثقافي علمي ناطق بالعربية وهو مساحة نتشاركها جميعًا لنتحدث عما يجول في أذهاننا وما نتحدث فيه مع أصدقائنا في ما لا تتطرق له وسائل الإعلام، سواءً كانت فكرة جمعك حولها نقاش مع أصدقائك،.