نشر المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات دراسة للباحث عامر كاتبة تناول فيها دراسة منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من خلال مراجعته للأدبيات باللغة الإنجليزية والألمانية حيث يعتقد الباحث أن معظم الدراسات التي تناولت هذه المنطقة سيما قبل اندلاع ثورات الربيع العربي درست مجتمعاتها وكياناتها من خلال مقاربة سياسية واحدة وهي: الديمقراطية الغربية التي تحاول الولايات المتحدة فرضها على المنطقة في مقابل الأوتوقراطية السائدة فيها حيث اتبعت هذه الدراسات نظام التحليل من أعلى إلى أسفل آخذة بعين الاعتبار تأثير القوى الخارجية ومهملة التأثير الداخلي لحاجات السكان ومصالحهم.
كما و تبحث الدراسة في بعض القضايا مثل تأخر الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط حتى اعتقد البعض أنها منطقة عصية على الديمقراطية، وكذلك الثورات العربية أو ما عرف بالربيع العربي وأسبابه وتوابعه وذلك في ثلاث أجزاء حملت العناوين التالية:
أولًا: منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بين التحول الديمقراطي و السلطوية.
ثانيًا: الثورات العربية وأزمة شرعية الدولة.
ثالثا: الثورات بوصفها لحظة للتأمل.
أولًا: منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بين التحول الديمقراطي و السلطوية:
ويرى الباحث في هذا الجزء أن ثورات الربيع العربي التي اندلعت خلال عامي 2010 و2011 دفعت الباحثين للالتفات إلى البعد الآخر في معادلة الحراك والذي كان مهملا سابقا وهو البعد الداخلي والمتعلق بالسكان وتطلعاتهم.
ووفقا للدراسة فإن أنظمة الشرق الأوسط وتحت الضغوط الخارجية التي كانت تدفعها إلى اتباع نظام ديمقراطي يتفق والمعايير الغربية أبدت تجاوبا من خلال اتباع ما يسمى (اللبرلة الاقتصادية ) والتي يعرفها الباحث بأنها الاقتصاد القائم على السوق المفتوح ويرى أن هذا التوجه لم يكن حقيقيا وإنما كان هدفه استمرار سلطة الأنظمة القائمة وتوطيدها من خلال الاستفادة من ميزات هذا الاتجاه وقد عبر الباحث عن ذلك بالتالي:
"وعلى الرغم من أن بعض الأنظمة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كانت قد أظهرت لبرلةً سياسية واقتصادية خلال ثمانينيات القرن العشرين وتسعينياته )مثل خصخصة شركات الدولة، وانحسار نظام الحزب الواحد، وإجراء الانتخابات، و/ أو ظهور مجتمع مدني في عدد قليل من الدول(، فإن الباحثين أكّدوا أن هذه الخطوة كانت جزئية واستُخدمت بوصفها تعديلات تكتيكية داخل النظام الدولي واستجابة لضغوط الفاعلين الخارجيين. وفي حقيقة الأمر، فإن الأنظمة نفسها كانت أول من استفاد من هذه "اللبرلة"؛ إذ وفّرت لها وسائل جديدة لتطوير سلطتها وذلك من خلال تلقي المساعدات الخارجية، وكذا منحها صفة الشرعية التي زادت من سيطرتها وسلطتها الداخلية . بعبارة أبسط، لم يكن ثمة تغيير ملحوظ في توزيع السلطات أو الطبيعة السلطوية للنظام، ولم يكن للإصلاحات أي تأثير ملحوظ في الحقوق المدنية أو السياسية الفردية. ومن ثمّ بدلا من أن تكون هذه اللبرلة فرصة حقيقية للتحول الديمقراطي كان الانتقال الديمقراطي، إن حدث أصلا، تحولا وهميًا أدى في الواقع إلى ترسيخ السلطوية في منطقة الشرق الأوسط".
ويشير عامر كاتبة إلى أن منطقة الشرق الأوسط بقية عصية على الباحثين الذين حاولوا تفسير الانتقال الديمقراطي بشكل خطي فلم يكن مفهوما لديهم كيف بقية الأنظمة غير الديمقراطية والمتسلطة في الشرق الأوسط متماسكة وقوية؛ بعد كل هذه التغيرات التي شهدتها المنطقة وبعد الانفتاح الكبير الذي شهده العالم بأسره ، ولهذا يرى الباحث بأن الدارسين لهذه المنطقة سعوا لتفسير ذلك من خلال دراسة الهياكل الاجتماعية السياسية ، والاجتماعية الاقتصادية التي تؤدي إليها بهدف فهم العوامل البنيوية التي تبقي على هذه السلطة قائمة، هذا فضلا عن دراسة الاستراتيجيات والآليات المستخدمة في الأنظمة السلطوية للحفاظ على السلطة والصمود والاستقرار وهذا ما يعرف وفقا للباحث بـ(دراسات الأوتوقراطية).
ووفقا للبحث فقد كشفت الدراسات الإتقراطية أن الأنظمة الحاكمة في الشرق الأوسط تعتمد مجموعة من الآليات لضمان بقائها منها: احتكار قنوات السلطة ، والروابط مع المجموعات الاقتصادية والاجتماعية، وكذلك الفاعلين الخارجيين الراعين، كما أنها تشتري الدعم والشرعية، داخليًا وخارجيًا، وذلك عبر توزيع السلطة والامتيازات واستمالة المعارضة وبناء مؤسسات دولة وهمية، وتغيير النخبة في الواجهة.
وحددت في الدراسة على النحو التالي:
- قدرة النظام في الحفاظ على الصحة المالية لأجهزته والتي تتحقق بالاعتماد على الدخل الريعي.
- قدرة النظام على مواصلة تلقي الدعم الدولي باستخدام المصالح الجيوبولتيكية والاقتصادية للفاعلين الخارجيين في المنطقة.
- انخفاض مستوى مأسسة الدولة بسبب هيمنة منطق الباتريمونيالية في الدولة والمجتمع.
- ضعف إمكانية التعبئة الشعبية ضد النظام بسبب انتشار الفقر، وانخفاض مستويات الإلمام بالقراءة والكتابة، وضعف التجربة الديمقراطية و/ أو الارتباط السلبي لمعنى اللبرلة السياسية لدى المجتمعات في المنطقة والمرتبط بالهيمنة الاستعمارية بدلا من تقرير المصير.
كما ويشير الباحث إلى خمس سمات مميزة لتطور السلطوية في منطقة الشرق الأوسط توصل لها "ستيفن هايدمان" هي: 1) الاستيلاء على المجتمعات المدنية واحتوائها. 2) إدارة الخلاف السياسي.3) جني فوائد الإصلاحات الاقتصادية الانتقائية. 4) السيطرة على تقنيات الاتصال الجديدة. 5) تنويع الروابط الدولية.
أما فيما يتعلق بالأسباب التي أدت إلى عرقلة التحول الديمقراطي في المنطقة فتورد الدراسة ما يلي:
- البنية الاجتماعية: مثل )القرابة( ، والقبلية ،والجماعات الدينية أو الأثنية، فضلا عن المنطق الواسع والمهيمن للتفاعلات الاجتماعية الرأسية السلطوية، والتفاعلات غير الرسمية داخل المجتمعات.
- البنية السياسية: والتي تتسم بالنزعة الشخصانية ،والنظام الرئاسي ،والزبائنية، والمحسوبية، فضلا عن استخدام الموارد العامة لتحقيق المنفعة السياسية الخاصة، وهيمنة السلطة.
- العامل الاقتصادي: للبنية الريعية أو شبه الريعية المهيمنة في المنطقة تأثير ملموس في طبيعة الدولة ودورها، وكذلك في علاقاتها مع المجتمع. فالمستوى المرتفع للإيجارات الخارجية للدولة، يتيح التمتع بمستوى عالٍ من الاستقلال المالي ودرجة نسبية من الاستقلال الذاتي عن المجتمع ودعمه. ويجعل أثرُ البنية الريعية )الضرائب والإنفاق وتشكيل المجموعات(، أيضًا، فضلا عن أثر القمع في النزعة الريعية، النظامَ السياسي قادرًا على الحفاظ على الترتيبات الاجتماعية والسياسية؛ ما يمنع أي فرصة لتحقيق الانتقال الديمقراطي.
- السياق الدولي والإقليمي: مثل المصالح الجيوسياسية ،والاقتصادية للفاعلين الدوليين في المنطقة والاستمرار في إعطاء الأولوية لاستقرار وثبات الحكومات المحلية على الديمقراطية، والتي زادت على نحوٍ ملحوظ في أعقاب عولمة القضايا الأمنية (أي ظهور الحروب الجديدة ،والحرب على الإرهاب)، والصراعات الإقليمية المستعصية على الحل )الصراع العربي/ الفلسطيني-الإسرائيلي ( و/ أو الصراعات الداخلية )الحروب الأهلية وقضايا الأقليات مثل الأكراد(، والتي لم يجْر حلّها منذ فترة طويلة بسبب تأثرها بالتدخل الخارجي.
ثانيًا: الثورات العربية وأزمة شرعية الدولة
في هذا الجزء من الدراسة يبين الباحث أن ثورات الربيع العربي مثلت صدمة كبيرة وغير متوقعة لبعض الباحثين الذين كانوا يعتقدون بأن الأنظمة المتسلطة في منطقة الشرق الأوسط والتي ضربت بجذورها عميقا في بنية المجتمع بأساليبها التي تم ذكرها سالفا عصية على الزوال أو حتى الاهتزاز ووفقا للدراسة فقد حاول العديد من الباحثين تحديد الأسباب التي وقفت وراء هذه الثورات مثل ارتفاع معدل البطالة بين الشباب على وجه الخصوص، والفساد، والمحسوبية، والقمع الوحشي خاصة الذي تمارسه الأجهزة الأمنية، والإقصاء السياسي، إلى جانب الأشكال المختلفة للتمييز الاثني/ الديني ضد بعض الجماعات. و استفحال أزمة الدولة في المنطقة فقد نُظر إلى أسباب مثل أزمة النظام الاقتصادي وإبراز الجوانب المختلفة المتعلقة بالعدالة الاجتماعية والحرمان من الاحتياجات الأساسية وعلاقاتها بالنظام الاقتصادي العالمي، كما هو الحال في مصر وتونس على أنها المحرك لهذه الثورات.
ويذهب الباحث أبعد من هذا حيث يورد آراء لباحثين يعتقدون أن التحولات العالمية وسقوط المعسكر الشيوعي كان أحد أهم الأسباب التي تقف وراء ما شهدته المنطقة من ثورات حيث وجدت الغالبية العظمى من طبقات المجتمع نفسها مهمشة ومعزولة ومطالبة بالتزامات لا تتناسب وطبيعة ما يقدم لها من خدمات متهالكة أو غير موجودة في نظام رأس مالي يضطهدهم ويستغلهم ويعمل على إفقارهم.
ثالثا: الثورات بوصفها لحظة للتأمل
تحت هذا العنوان وفي الخاتمة يبين الباحث أن الثورات العربية مثلت لكثير من الباحثين والمهتمين بمنطقة الشرق الأوسط لحظة تأمل ومراجعة لطريقة درالستهم للمنطقة والعوامل الفاعلة فيها لصالح توسيع هذه الدائرة ليشمل العوامل المتعلقة بمجتمعاتها وحاجاتهم بعد أن كانت مقصورة إلى حد كبير على التأثيرات الخارجية ومن خلال اتباع النهج العمودي في الدراسة بحيث يتم تناول العوامل من أعلى إلى أسفل لكنه يستدرك في خاتمة الدراسة مشيرا إلى أن الطريق لايزال طويلا للابتعاد عن الطريقة التقليدية في دراسة المنطقة.