استضاف التلفزيون العربي ضمن برنامج "حديث خاص" المفكر العربي الدكتور عزمي بشارة في حوار حول عدد من الملفات والقضايا أبرزها انعكاسات الحرب في أوكرانيا على شكل النظام العالمي وطبيعة التحالفات فيه ، وكذلك أبرز المتغيرات السياسية في منطقة الشرق الأوسط قبل زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن.
حيث استهل مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات المقابلة بالحديث عن حرب أوكرانيا معتبرا أن ما يميز هذه الحرب أنه لم يحاول أحد تجنبها؛ بالرغم من أن مؤشراتها لم تكن تخطئها العين، معتقدا في الوقت نفسه أنه كان بإمكان دول الناتو التفاوض مع موسكو لتبديد مخاوفها الأمر الذي لم يحصل بسبب الخشية من ابتزاز بوتين لها .
وذهب بشارة إلى القول إلى أن أحد العوامل الرئيسة لموقف بايدن الحازم من الرئيس الروسي بوتين هو تدخله في الانتخابات الأمريكية لصالح الحزب الجمهوري ودعمه لليمين المتطرف في أمريكا معتبرا أن الحرب كانت فرصة للولايات المتحدة الأمريكية لاستعادة مكانتها في قيادة حلف الناتو بعد الانتكاسة التي تعرضت لها في عهد الرئيس السابق ترامب.
وهو يرى أنه على هامش هذا الصراع تشكل شبه حلف لم يكن موجودا قبل ذلك وهو الحلف الصيني الروسي أو على الأقل التقارب الصيني الروسي، والذي في رأيه لم يكن مرغوبا فيه من قبل دول الناتو لكنهم لم يتمكنوا من تجنبه.
ويعتقد بشارة أن بوتين لم يهزم بعد بالرغم من أنه دفع ثمنا باهضا لغزوه ، وأنه إن لم يتمكن من الخروج بأي مكسب فإن هذا سيكلفه منصبه. كما أشار إلى أن بوتين أخطأ في الحسابات ولم يتوقع هذه العقوبات القاسية قياسا على ردة الفعل الأمريكية الأوروبية على ما فعله في جورجيا وسوريا حيث كان رد الفعل رخوا مما دفعه لتقليص أهدافه إلى السيطرة على منطقة (دونباس) وربما مرافئ البحر الأسود بعد أن كان الهدف هو إخضاع كييف.
وكذلك يعتقد مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات أن إطالة أمد الحرب ليس في صالح بوتين حيث أن دول الاتحاد الأوروبي وأمريكا أقدر على إدارة الحرب واستيعاب تداعياتها من روسيا من جهة ومن جهة أخرى فإن التقنيات العسكرية لحلف الناتو أثبتت تفوقها الكبير على التقنيات العسكرية البدائية للجيش الروسي الذي تكبد خسائر كبيرة يتوقع بشارة أن يحاسب بوتين عليها بعد أن تضع الحرب أوزارها.
وحول تشكل نظام عالمي جديد وظهور أقطاب جديدة يرى بشارة أن هنالك دول قد تتبوؤ موقعا جديدا سيما تلك الدول التي بدأت تتطور وتنهض مثل الصين والهند لكنها حتى الآن في رأيه غير قادرة على منافسة الولايات المتحدة الأمريكية معتبرا أنها نماذج لا تحتذى فيما يتعلق باحترام حقوق الانسان ، ومستوى الحريات ، و دخل الفرد ، والراعية الصحة ، والتعليم.
وعودة على ظهور أقطاب جديدة في المجتمع الدولي يرى الدكتور عزمي أن ما سيحدث هو اعادة التوازن داخل حلف الناتو بحيث لا تنفرد الولايات المتحدة بقراراتها بمنأى عن حلفائها .
كما يرى أنه بالرغم من وجود فرصة سانحة واستثنائية للعرب لتحقيق مكاسب كبيرة تمثلت في حاجة العالم الماسة للبترول العربي إلا أن الدول العربية لم تستثمر هذه الفرصة بسبب انشغال أنظمتها في توطيد حكمها، واحكام سيطرتها على شعوبها.
أما فيما يتعلق بتحالف بعض الدول العربية مع إسرائيل فقد أشار بشارة إلى أن هذا التحالف صب في مصلحة إسرائيل بشكل أساسي مستدلا على ذلك بزيادة الاستيطان، وبشراسة إسرائيل في القدس ،واستقوائها على الفلسطينيين في كل مكان و زيادة قوة اليمين الديني في إسرائيل معتبرا أن غرض هذا التحالف في الأساس هو بناء لوبي قوي للضغط على الإدارة الأمريكية لدعم الأنظمة العربية وعدم السماح بالتخلي عنها كما حدث مع نظام حسني مبارك.
وفيما يتعلق بالاتفاق النووي بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية فيعتقد بشارة أن إيران دولة براغماتية وبالتالي فهي حريصة على التوصل لاتفاق مع الولايات المتحدة الأمريكية التي تصر على عدم مناقشة العقوبات المفروضة على طهران بعد انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي ما يجعل الاتفاق بالنسبة لإيران عديم الجدوى. وفي المقابل يرى بشارة أن بايدن هو الآخر معني بالوصول لاتفاق مع طهران لكن دون تقديم أي تنازلات .
وفيما يتعلق بتشكل حلف إسرائيلي - عربي ضد إيران فيرى بشارة أن ما هو أفضل من هذا هو التفاهم مع إيران لافتا النظر إلى أن المشكلة الحقيقية بين العرب و طهران ليست في سعيها لامتلاك سلاح نووي مبرهنا على هذا بوجود دولتين في المنطقة تمتلكان سلاحا نوويا وهما :باكستان ،وإسرائيل. وعليه يرى بأن مشكلة الدول العربية مع طهران تكمن في تدخلها بالشأن الداخلي للدول العربية وخلخلة استقرار مجتمعاتها من خلال توظيف البعد الطائفي.
أما بخصوص تونس فيرى بشارة وبعد استعراضه مجموعة من نصوص الدستور التونسي المقترح أن تونس تسير نحو نظام رئاسي سلطوي وأن إعداد الدستور كان مهزلة حقيقية مستنكرا أن يكتب الدستور بشكل سري بعيدا عن الشعب وقواه المدنية و من خلال لجنة لعبة دور المحلل في رأيه حيث ضرب الرئيس قيس سعيد بمقترحها عرض الحائط وأعاد صياغة الدستور وفقا لأهوائه وبما يسهم في إحكام قبضته على السلطة.