منذ اللحظة الأولى الذي انطلق فيه طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023 توقع المفكر العربي عزمي بشارة أن تطول هذه المعركة وأن تكون الأكثر دموية وعنفا في تاريخ الحروب التي خاضتها إسرائيل بشكل عام ومع المقاومة الفلسطينية خلال القرن العشرين بشكل خاص .
وبعد عام على هذا الحدث الكبير يعتقد الدكتور عزمي بشارة أن ما بعد السابع من أكتوبر 2023 ليس كما قبله بحيث بات يعد في التاريخ الحديث يوماً مفصلياً من حيث حجم الضحايا الناجم عن رد الفعل الإسرائيلي الذي أصبحت فيه الجرائم غير المسبوقة سوابق -وفقا لتعبيره -مثل قصف المستشفيات والمدارس وأماكن إيواء المدنيين.
وفي خضم حديثه عن الجرائم غير المسبوقة التي اقترفتها إسرائيل بحق المدنيين في غزة أعرب بشارة عن استنكاره لغياب الصحافة العالمية عن غزة لعام كامل، وتواجدها في غلاف غزة لنقل معاناة المستوطنين اليهود بصورة فردية بحيث صنعت منهم قصصا، وروايات تستجر العطف الإنساني وفي المقابل أغفلت المعاناة الجماعية لسكان قطاع غزة وكأنهم غير موجودين واصفا ذلك بالنفاق الإعلامي العالمي،أما في الإعلام الإسرائيلي فلا ذكر لغزة في نهائيا على مدار عام كامل بما ينزع عن سكان غزة إنسانيتهم .
وأضاف بشارة، في حوار على تلفزيون العربي من مدينة لوسيل في قطر، بمناسبة مرور عام على عملية السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وحرب الإبادة التي تلتها على غزة:" هذه ليست ذكرى السابع من أكتوبر حيث لايزال العدوان جاريا على الشعب الفلسطيني والعدوان ينتقل من مرحلة إلى مرحلة أخرى ؛حيث انتقل من هدف منع قيام حماس بمثل هذا الفعل مستقبلاً إلى منع حماس من إدارة غزة، ومن ثم إلى منع السلطة الفلسطينية ذاتها من إدارة غزة، وصولا إلى العدوان على لبنان والذي يظهر أن هذا كله كان عبارة عن خطط معدة مسبقاً وأن نتنياهو كل ما قام به هو إخراجها من الدرج...سيما أنه بات يشعر بعد خطابه في الكونغرس الأمريكي أنه مطلق اليدين وأنه يستطيع فعل ما يشاء ".
وتحدث المدير العام لـ"المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" عن الظروف التي سبقت السابع من أكتوبر مثل السياسات التعسفة للحكومة المتطرفة التي يقودها بنيامين نتنياهو والتي رفعت نسبة قتل الأطفال إلى أعلى معدل لها في 2023، وكذلك حولت حياة المعتقلين الفلسطينيين إلى جحيم ، والتي لا تخفي رغبتها في ضم الضفة الغربية إلى إسرائيل ، و قامت بالتقسيم الزماني والمكاني في الأقصى ، ووسعت الاستيطان و في ظلها قام المستوطنون المدعوون بـ" فتية التلال" بالتضيق على الفلاحين الفلسطينيين وتخريب أراضيهم، ومواصلة حصار قطاع غزة والتضيق على ساكنيه معتبراً أن هذه العوامل وغيرها من العوامل التي كانت تصب في خانة تهميش القضية الفلسطينية مثل اتفاقيات آبراهم وما تلاها من عمليات تطبيع ،ومن ثم صفقة القرن هي ما أدت إلى الوصول إلى السابع من أكتوبر/تشرين الثاني 2023.
وفيما يتعلق بالفارق بين سياسات ترامب وبايدن تجاه القضية الفلسطينية أشار بشارة إلى أن سياسة بايدن اختلفت تماماً عن سياسة ترامب في كل مكان في العالم مثل أكرانيا، والشرق الأقصى إلا فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية حيث أبقت أمريكا مكتب منظمة التحرير الفلسطينية مغلقاً، وواصلة اتفاقيات آبراهم لإحلال السلام في الشرق الأوسط دون إيجاد حل للقضية الفلسطينية.
وأكد مؤلف كتاب "الطوفان ــ الحرب على فلسطين في غزة "أن القيادة في غزة كان لديها توجه براغماتي فيما يتعلق بإدارة غزة من خلال الاستعداد لهدن طويلة المدى لفك الحصار عن غزة، والقبول بدولة فلسطينية على حدود 1967 لكن التعنت الإسرائيلي في رأيه هو من أدى إلى انفجار الوضع بهذه الصورة نافياً توقع المقاومة ردة الفعل الدموية والإجرامية زاعماً أن المقاومة لو كانت توقعت ردة الفعل هذه لما أقدمت على هذا الفعل، مؤكداً في الوقت نفسه على أن "مقاومة المحتل من الناحية القانونية هو حق و مقاومته من الناحية الأخلاقية هو واجب".
وفي هذا السياق أوضح المفكر العربي أن المقاومين لم يتوقعوا نجاح العملية بالصورة التي تحققت حيث انهارت فرقة غزة خلال ساعات ما أدى إلى توسع العملية وخروجها عن السيطرة والدخول إلى مستعمرات غلاف غزة من قبل أفراد من سكان القطاع ما نجم عنه مجموعة من التجاوزات من مثل وجود معتقلين مدنيين من كبار السن والنساء الحوامل استغلتها إسرائيل وضخمتها بالتعاون مع وسائل الإعلام العالمية لتسويق فظاعة المشهد.
وبالرغم من تجاوز المقاومة قضية المدنيين حيث قامت بإطلاق صراحهم إلا أن هذا في رأي بشارة ما كان يجب أن يقع معتبراً أن الاقتصار على الجنود وحدهم كفيل بأن يحقق للمقاومة أهدافها هذا فضلا عن تحقيق التفوق الأخلاقي على إسرائيل. وفي ذات السياق بين أن المقاومة هي عبارة عن رد فعل ولا يجوز أن تمثل إستراتيجية تحرير وتتحول إلى الهجوم لأنها مهما بلغت قوتها فهي غير قادرة على إعلان الحرب مهما بلغ صدق وإخلاص من قام بذلك وهذا برأيه حسابات خاسرة للمقاومة في المقابل أشار إلى أن انتصار المقاومة يكون باستنزاف المحتل واجهاض مشاريعه باعتبار ذلك نصراً سياسيا وليس عسكرياً.
وحول السلوك الهمجي للمجتمع الإسرائيلي في ردة فعله على ما حصل في السابع من أكتوبر أشار الدكتور عزمي بشارة إلى أن إسرائيل حاولت محو الصورة المذلة التي انتشرت للجندي الإسرائيلي إبان العملية وهو يتم سحبه من دبابته وسحله حيث مارس الجيش الإسرائيلي سحل المدنيين الأبرياء بصورة متكررة ومبالغ فيها "و بصورة تدلل على الجبن والخسة والوضاعة في التعامل مع أناس خائري القوى أسرى عاجزين، وكذلك التعامل مع الأطفال والأسرى في السجون" على حد تعبيره لمسح هذه الصورة، رافضا اعتبار قتل المدنيين أضرار اً جانبية و مؤكداً أن هنالك استهداف للمدنيين بغرض إيقاع أكبر ضرر فيهم بغرض تأليب الحاضنة الشعبية على المقاومة الفلسطينية.
بالنسبة لجنوب لبنان فيعتقد المدير العام لـ"المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" أن لبنان كان مستهدفاً منذ البداية وأن كبار الجنرالات الإسرائيليين الذين تحدثوا عبر وسائل الإعلام الإسرائيلية كانوا يجمعون على ضرورة البدء بمهاجمة حزب الله ثم الانتقال بعد ذلك إلى شن هجوم على المقاومة الفلسطينية في غزة وذلك بعد الفراغ من حزب الله في الجنوب اللبناني ، وأن كل ما حققته إسرائيل في الأيام الأولى للحرب على لبنان من إنجازات أعادت من خلاله ترميم صورتها واستعادة هيبتها لدى الرأي العام يبرهن على أن الخطة كانت معدة سلفاً وجاهزة للتنفيذ.
وفي ذات السياق قال بشارة: " لدي تحليلي الفكري السياسي وهو أن حزب الله ارتكب -خطأ عمره – بالدخول إلى سوريا والانتقال من كونه حركة تحرر وطني إلى كونه حركة طائفية عابرة للحدود ...ما جعله مكشوفا تماماً أمام الاستخبارات الإسرائيلية والعالمية" مبيناً أنه في حال كان الحزب يقوم على التراتبية الهرمية فستكون الضربة التي وجهتها إسرائيل له ضربة مؤثرة إلى حد بعيد، أما في حال كان هنالك استقلالية للجناح العسكري كما هو الحال في حركات التحرر الوطني فإن حزب الله سيكون قادرا على النهوض مجدداً والدفاع عن نفسه وإيذاء إسرائيل رافضاً فكرة الدفع بانتخاب رئيس للبنان من قبل بعض القوى في هذه الفترة الحرجة.
واستدرك المفكر العربي قائلاً " في الحقيقة هنالك حرب على لبنان وحزب الله لم يدرك ذلك أو قد يكون أدرك ذلك في وقت متأخر ...والحقيقة الآن هي أنه ليست إسرائيل هي من تخوض حرب الوجود بل حزب الله وحماس هما من يخوضان هذه الحرب".
وفيما يتعلق بإيران يرى بشارة أن هنالك تياران يتجاذبان القيادة الإيرانية في الوقت الحالي : التيار الأول؛ وهو في حالة عداء دائم مع الولايات المتحدة الأمريكية والغرب وهذا التيار يدعم المقاومة ومستعد للحرب، أما التيار الثاني؛ فيسعى إلى مغادرة مربع العداء مع الولايات المتحدة ويسعى إلى الوصول لتفاهمات مع واشنطن يتخلى إثرها عن دعم المقاومة دون أن يعلن ذلك، وفيما يتعلق بالعلاقة بين حزب الله وإيران فيبين أن حزب الله يعد كتيبة متقدمة للجيش الإيراني وأنه مستعد للدخول في حرب مع إسرائيل في حالة واحدة فقط وهي تعرض إيران للعدوان مشيراً إلى أن حزب الله ومنذ العام 2006 لم يدخل في مواجهة حقيقية مع إسرائيل وأنه في حال القضاء على حزب الله فإن إيران ستصبح في خطر.
وفيما يتعلق بالوضع الفلسطيني فيرى المفكر العربي بأن جولات المصالحة بين حركتي فتح وحماس أصبحت عبارة عن نوع من الفلكلور الفلسطيني الذي يثير السخرية -على حد تعبيره- وأن كل ما تفعله فتح هو انتظار وصول إسرائيل لنتيجة مفادها أن السلطة الفلسطينية هي وحدها القادرة على إدارة قطاع غزة وفي هذا السياق يشير إلى أن ذلك قد يتم من خلال المصالحة مع بعض الأعضاء المفصولين أو المستقيلين أو المستقلين عن فتح وإيجاد صيغة من التفاهم مع حركة حماس تدعمها الدول العربية. وهنا يستدرك بالقول في كل الأحوال لن تقبل إسرائيل في أي صيغة سوى السيطرة الكاملة على كل الأراضي الفلسطينية ما سيجهض مثل هذه الحلول وأن السؤال الأصعب الذي سيكون على الفلسطينيين مواجهته هو سؤال اليوم التالي للحرب حول مقومات الحياة وتوفرها.
وعن الانتخابات الأمريكية أكد المدير العام لـ"المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" أن هنالك فارق كبير بين كامالا هاريس ودونالد ترامب وأن هاريس ستكون أقرب وأفضل للفلسطينيين وللعرب وللمهاجرين من ترامب الذي نقل السفارة الأمريكية للقدس وقدم صفقة القرن غير مستبعداً أن ينادي ترامب بضم الضفة الغربية إلى إسرائيل لتوسيع مساحتها لكنه استدرك قائلا في النهاية الأمر يتوقف على العرب وقدرتهم على مقاومة هذا .
وبخصوص العلاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية أشار الدكتور عزمي بشارة إلى أن التحالف بين إسرائيل وأمريكا هو تحالف استراتيجي، وإلى أن الولايات المتحدة الأمريكية هي الطرف الأقوى في المعادلة موضحاً أن إسرائيل لا تستطيع أن تصمد في أي مواجهة دون أمريكا مستدركاً :" لكن هذا لا يعني أن إسرائيل تابعة وإنما لإسرائيل أجندتها القادرة على تحقيقها وهي تدرك أن أمريكا ستدعمها ولن تتخلى عنها".