عقد منتدى التفكير العربي يوم السبت الموافق 12/2/2022 ندوة بعنوان: " الربيع العربي...11عاما ..الدروس والعبر" في فندق "كراون بلازا" في العاصمة البريطانية لندن. حاضر فيها كل من البروفسير جلبير الأشقر أستاذ الدراسات الشرقية والإفريقية في جامعة لندن، و الوزير السابق الدكتور غازي صلاح الدين رئيس حركة الإصلاح الآن ونائب برلماني لعدة دورات كما أدار الندوة الصحفي في جريدة القدس العربي جمال الدين طالب .
حاول المحاضران في الندوة الإجابة عن أسئلة جوهرية تطرح نفسها بعد هذه السنوات من اندلاع الثورات العربية بما عرف بالربيع العربي وهي:
- هل كانت الثورات العربية هبات غضب أم ثورات شعبية؟ وان كانت ثورات شعبية فهل كانت ثورات كاملة؟
- ما هي إنجازات هذه الثورات وما هي إخفاقاتها؟
- ما هو سبب اخفاق هذه الثورات في تحقيق أهدافها؟
- ما هو دور النخب والمثقفين والشباب في هذه الثورة؟
- ماهي العبر التي يمكن استخلاصها بعد عقد من هذه التجربة؟
- ما هو المطلوب لإنضاج التجربة الثورية العربية مستقبلا؟
استهل البروفسير جلبير الأشقر الندوة بالإشارة إلى أن الانفجار الذي بدأ قبل إحدى عشر عاما كان تعبيرا عن أزمة عميقة للنظام السائد في المنطقة العربية وهي متعددة الأوجه وفي رأيه أن أعمقها هي أزمة الأبنية الاقتصادية والاجتماعية القائمة التي تشرف عليها طبقات حاكمة تميزت بغياب الشرعية والفساد والقمع والعمل ضد مصلحة الشعب ما أفرز العديد من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية مثل؛ البطالة وانعدام الحريات وانتشار الفقر والفساد وغياب العدالة الاجتماعية وحكم القانون ؛ وعليه تظافرت هذه العوامل جميعها ما أدى إلى الانفجار، والسؤال الذي يفترض طرحه من وجهة نظر البروفسير الأشقر هو ليس لماذا وقع الانفجار؟ وإنما لماذا تأخر هذا الانفجار كل هذا الوقت مع وجود هذه العوامل جميعها؟
ويعتقد البروفسير الأشقر بأن ما حدث هو عبارة عن تدشين مرحلة ثورية ممتدة شأنها شأن العديد من الثورات في التاريخ التي لم تحقق أهدافها من الجولة الأولى مع السلطة السياسية القائمة وإنما مرة في مراحل عديدة وبالتالي فالمنطقة من وجهة نظره دخلت في مرحلة الصيرورة الثورية التي بدأت من استشهاد المواطن التونسي البوعزيزي وحتى الآن فالصراع لايزال مستمرا وقويا بين إرادة الشعوب وأنظمة مستبدة يزيد من حدة هذا الصراع شراسة هذه الأنظمة وتجذرها.
وأنهى الأشقر حديثه بالتأكيد على أن المنطقة العربية لن تعود إلى الاستقرار الذي شهدته سابقا وأن الثورات العربية لم تهزم وإنما في رأيه خسرت جولة من جولات معركة طويلة منها ما سقط وسينهض ومنها ما يزال يقاوم كالثورة السودانية كما يرى بأن مستقبل الصيرورة الثورية – وفقا لوصفه- مرهون بالأجيال القادمة ووعيها السياسي وقدرتها على تنظيم نفسها والاستفادة من التجارب السابقة في ابتكار منهج جديد يكون قادرا على مقارعة الأنظمة المستبدة وهزيمتها.
أما الدكتور غازي صلاح الدين فقد بدأ حديثه من حيث انتهى البروفسير الأشقر متناولا التجربة السودانية معتبرا أن الحالة السودانية حالة استثنائية بكل معطياتها مبرهنا على ذلك بالواقع السياسي السوداني من وجهة نظره فالثورة السودانية في رأيه ثورة مثالية لكن النتائج لم تكن مرضية مدللا على ذلك بالأزمة القائمة والتي يراها غير منطقية فهنالك غياب كامل لنظام الحكم حيث لا يوجد رئيس وزراء ولا توجد حكومة والحياة السياسية بشكل عام معطلة في السودان والواقع بشكل عام مربك. كما يرى أن جزء مهم جدا من الأزمة هو غياب المصداقية الأخلاقية لدى الأطراف السياسية والمتمثلة بإعطاء وعود غير واقعية للجماهير .
كما تحدث الوزير السابق عن الحالة السودانية بالتفصيل وعن الوضع الخاص للمكون العسكري في الحالة السودانية مشيرا إلى أن انسداد الأفق في السودان عائد إلى أن المكون العسكري يرغب في ممارسة الحكم خلافا لما هو متفق عليه وخلافا للتجارب السابقة في السودان وأنه يدفع باتجاه المحاصصة مع المكون المدني في انقلاب سافر على الاتفاق الذي تم بين المكونين والذي عرف بالوثيقة الدستورية التي لا تتضمن أي اشارة تمكن المكون العسكري من الحكم.
ومن ثم جرى فتح باب النقاش للحضور حيث تم توجيه سؤال للدكتور صلاح الدين حول دور المكون العسكري في الثورة السودانية ليجيب بأن دور المكون العسكري كان جوهريا في نجاح الثورة وتجنيبها الصراع الدموي هذا الجواب الذي اقتضى تعقيبا من البروفسير الأشقر الذي رأى بأن موقف العسكر لم يكن جديدا وأن هذا هو طبيعته في الدول التي يحكم بها بشكل مباشر مستدلا على ذلك بتخلص العسكر في كل من مصر والجزائر من الرئيس في حالة وجدوه عبئا عليهم وعليه يرى الأشقر بأن التخلص من البشير لم يكن انجازا ثوريا من قبل العسكر وانما عمل تكتيكي اعتادوا عليه عند الأزمات لتجديد حكمهم ولكن الحراك الشعبي لا يزال صامدا في وجه هذه المحاولة من قبل العسكر.
من جانب آخر وفي خضم إجابته عن العديد من الأسئلة أكد البروفسير الأشقر على أنه من الخطأ الكبير اعتبار ثورات الربيع العربي صراعا بين قوى إسلامية متمثلة بالحركات الإسلامية وقوى علمانية متمثلة بالنظام الحاكم معتبرا أن هذا التصنيف هو أحد أسباب فشل الثورات العربية واصفا الثورة في حقيقتها بأنها صراع بين القوى التقدمية والتي قد تكون إسلامية أو غير إسلامية وبين القوى الرجعية والتي هي الأخرى من الممكن أن تكون إسلامية أوغير إسلامية.
وفي إجابة للدكتور صلاح الدين حول قرب التيار الإسلامي بشكل عام من المكون العسكري أوضح أن المكون العسكري بطبيعته النخبوية يمثل مجتمعا محافظا ما يجعله يظهر بأنه قريب إلى حد ما من التيار الإسلامي المحافظ بطبيعته ولكن في الحقيقة هنالك تباين جوهري بينهما.
وفي نهاية الندوة أجاب المحاضران عن أسئلة الحضور والتي تركزت على انعكاسات اخفاق الثورات العربية وعدم تحقيقها للأهداف التي قامت من أجلها على الشعوب العربية والتي بدأت تشعر بالإحباط مفضلة استقرار النظام المستبد على حالة الفوضى التي أعقبت ثورات الربيع العربي إذ أشار المحاضران في إجاباتهما إلى أن النتائج لم تحسم حتى الآن وأن الصراع لايزال قائما وحالة عدم الاستقرار هي نتاج طبيعي لما بعد الثورة لكن الشعوب ستتمكن من تجاوز ذلك وستخرج من هذه الدائرة محققة أهدافها المتمثلة في الديمقراطية و الحرية والعيش الكريم وسيادة حكم القانون.