نهاية الأسبوع الماضي لم تكن عادية في المملكة المتحدة، إذ فجرت نتائج انتخابات المجالس المحلية مفاجآت عديدة: من انتكاسة المحافظين، إلى اقتناص العمال لمجالس في قلب العاصمة وستمنستر، وليس بعيداً عن صعود الحزب القومي "شين فين"، في إيرلندا وتجدد النقاش بشأن وضع حد لحكم المملكة المتحدة للمقاطعة، ما معناه احتمال انفصال إيرلندا الشمالية التي هي جزء من المملكة المتحدة والتحاقها بجمهورية إيرلندا.
عموماً وفي سياق هذه المفاجآت المتتالية، لم يكن عرب بريطانيا بعيدون عن فانتازيا الانتخابات، والزلازل التي أحدثتها إذ استيقظ البريطانيون العرب على فوز بريطانية أردنية بمقعد عن مقاطعة كرولي التي تبعد نصف ساعة عن العاصمة لندن، وثلاثة مغاربة في ضربة عربية تنبء بيقظة انتخابية سيكون لها ما بعدها لو أحسن الإفادة منها في سياق مشاركة العرب في الانتخابات وتحولهم لكتلة وازنة.
يستحق هذا الفوز توقف وقراءة متأنية في سير الفائزين، واعتبار فوزهم محطة بالغة الأهمية ينبغي التوقف عندها، والبناء عليها، وسأعرض لجانب من خبرات الفائزين والفائزات لنخلص بعدها لأهمية الصوت العربي والإسلامي في بريطانيا، حيث يوجد قرابة 3 ملايين ونصف المليون مسلم، منهم قرابة 700- 600 ألف عربي، حسب آخر إحصاءات رسمية، ويشكل المسلمون 5.5% من مجمل سكان المملكة المتحدة.
بالعودة للفائزين والفائزات فقد فازت المواطنة البريطانية من أصل أردني خيلاء محمد أبو موسى، عن حزب العمال البريطاني بنسبة 49% من أصوات مقاطعة كرولي. وقد وصلت خيلاء لبريطانيا قبل 12 سنة، للعمل في مجال التعليم والترجمة، ودخلت في حزب العمال البريطاني بصفتها عربية مسلمة.
كذلك وفي ذات الحزب العمالي الحاضن الأكبر للأقليات في بريطانيا فاز ثلاثة بريطانيين من أصل مغربي، هم إيمان وعائشة ليس ، وحمزة تاوزال. وتعد هذه أول تجربة لإيمان، الحائزة الماستر في العلوم الاقتصادية والسياسية، بينما يخوض حمزة تاوزال وعائشة ثاني استحقاق لهما.
وتنخرط عائشة، وهي من مواليد مدينة العرائش، في السياسة المحلية البريطانية منذ عدة سنوات، حيث سبق لها الظفر بمقعد في عام 2016. الشيء ذاته بالنسبة للسيد تاوزال، الحائز ماستر من "كينغز كوليدج" اللندني.
العرب مبدعون وفاعلون، لكن آفة الانقسامات التي يحملها بعضهم معه في طريق هجرته لبريطانيا هي التي تضعف من فاعلية الصوت العربي، فكل من يعرف المملكة المتحدة، يعرف أن العرب موجودون في كل مكان، إذ لا تمشي في لندن إلا وتجد مطعماً عربياً، سورياً مغربياً يمنياً فلسطينياً لبنانياً مصرياً...الخ، كما تجد محلات البقالة والتجارة المختلفة التي يملكها ويديرها عرب، ولم تعد لندن كالسابق تضطرك للذهاب إلى شارع العرب كما يعرف لشراء حاجيات عربية، اليوم بات العرب في كل مكان في لندن، هم أطباء ،ومدرسون، وخبراء وعمال، لكن هذا الحجم لا يعكسه تمثيل سياسي في مجلس العموم البريطاني، جراء إحجام كثير من الجالية عن المشاركة في الحياة السياسية لأسباب مختلفة: التجربة المشوهة التي عاشوها في بلدانهم الأصلية، أو شعورهم بأنهم غرباء رغم وجودهم لعقود- هذه عقدة ربما ليست موجودة عند الجيل الثالث-، تشتت أصواتهم جراء الانقسامات التي حملوها معهم، فهناك حقيقة "جاليات" من كل جنسية وليس جالية واحدة، فضلاً عن عدم إيمان بعضم الآخر بأهمية صوته الانتخابي ومشاركته في الانتخابات.
تقديري أن عرب بريطانيا والمهجر عموماً لهم دور بالغ الأهمية في المشاركة السياسية في البلدان التي يقيمون فيها، لجهة الحفاظ على مصالحهم كمواطنين في تلك البلدان، والتأثير على السياسات الخارجية إزاء أوطانهم الأصلية، فإذا كنت بريطانياً من أصول عربية، فينبغي أن تشارك في الانتخابات من أجل معيشتك في بريطانيا وكل القضايا التي تهمك كمواطن بريطاني "تعليم، صحة، عمل.. الخ"، ومن جهة أخرى تقع على عاتقك مسؤولية التصويت للحزب الذي يتبنى سياسات أفضل تجاه وطنك العربي الأصلي.
التأثير في الدول التي تتبنى الديمقراطية التمثيلية يكون بأن نصوت ككتلة انتخابية مؤثرة وقوية، وهنا مربط الفرس، إذ لا بد لنا كعرب أن نحيد خلافاتنا ونتحد على قواسم مشتركة نصوت سوياً ليكون صوتنا مسموعاً، نحن بريطانيون، لكننا أقلية ينبغي أن نتكاتف ونتوحد، ونعمل كمواطنين بريطانيين، وكذلك كجالية عربية موحدة، هذا هو الطريق الوحيد لكي نستأثر باهتمام الأحزاب وبرامجها السياسية، وتلك التجربة الفريدة لخيلاء ورفاقها تقول لنا إننا نستطيع، ولسنا عاجزين، الطريق هو العمل الجاد والاشتباك في الحياة السياسية عبر الأحزاب البريطانية مع الصبر وعدم تسرع جني ثمار ذلك.