التفكير الحر حق لكل مواطن عربي

مقالات

الجالية العربية والمسلمة في بريطانيا وفرص التأثير

 شهدت العاصمة البريطانية لندن فعاليات عديدة وملفتة للجالية العربية والمسلمة عموما في رمضان هذا العام وعيد الفطر، بدأت بإضاءة عمدة لندن لأضواء شهر رمضان الكريم في ميدان "بيكاديلي" الذي تزين بالأنوار وبعبارة" رمضان سعيد"، في واحد من أهم معالم لندن وقلبها النابض، وصولا لاحتفالات عديدة توجت بالحفل الكبير في ميدان ترافلغار " الطرف الأغر" وهو الأكبر والأهم.

فضلا عن ذلك فقد تحول شهر رمضان والعيد لموسمين فارقين تجاريا لمعظم المحلات البريطانية الكبرى التي باتت تخصص أقساما لمنتجات رمضان وهدايا العيد، وتكتب حتى عبارات باللغة العربية ما يؤشر على حجم الوجود العربي والمسلم في بريطانيا.

التفات الأسواق المحلية لهذا التأثير وحجمه الاقتصادي لا يترجم للأسف على أرض الواقع عندما نتحدث عن التأثير السياسي للجالية في سياسات الحكومة تجاه المسلمين كمواطنين بريطانيين أو تجاه قضايا بلدانهم الأصلية.

يتركز المسلمون الذين يبلغ عددهم قرابة 4 ملايين مسلم وفقا للإحصاءات الحكومية الرسمية لعام 2021 في مدينة لندن، حيث بلغ العرب وفقا لتلك الإحصائية 321 ألفا مع غياب إحصاءات دقيقة؛ بسبب صعوبة تسجيل وإحصاء كل العرب المقيمين في المملكة المتحدة.

فيما يتحدث "مجلس التفاهم العربي البريطاني" Caabu” “عن رقم يتراوح بين 500 ألف إلى 3 ملايين عربي، فارق كبير في التقديرات الأمر الذي يؤكد على أن الأمر نسبي، ولا توجد قاعدة بيانات تقدم معلومات قطعية.

 لكن إذا أخذنا بالاعتبار متوسط الأرقام المشار لها أعلاه، إضافة لعدد الهجرات العربية الحديثة في العقد الأخير خاصة من سوريا واليمن والعراق وليبيا وأخيرا السودان وعموم الدول العربية يمكن الحديث بثقة عن تجاوز العرب في المملكة المتحدة لحاجز المليون، وربما أكثر بطبيعة الحال. 

وعند مقارنة قوة التأثير الاقتصادي، وتجذر الأقلية العربية والمسلمة مع أقليات أخرى وجاليات أخرى كالهنود على سبيل المثال، فواحد من المؤشرات المهمة هو نسبة امتلاك تلك الأقليات لبيوتها.

ووفقا لإحصاءات رسمية على موقع الحكومة البريطانية حول الأقليات التي تمتلك بيوتها بمقارنة مع البريطانيين البيض، نشرت في صحيفة The Bussies stander: فإن الهنود هم من أكبر مالكي العقارات في لندن، وتمكنوا من ذلك عبر الأجيال التي هاجرت للمملكة المتحدة مبكرا.

حيث يملك الهنود 80% من بيوتهم التي يسكنون فيها، في مقابل 64% للإنجليز البيض، فيما لا تتجاوز نسبة العرب الذين يمتلكون بيوتهم 17% وهي نسبة ضعيفة، بالرغم من قدومهم كجالية مبكرا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر.

حيث جاءت الجالية اليمنية حوالي العام 1860 كعاملين في صناعة السفن، واليوم في مدينة بيرمنغهام على سبيل المثال يوجد أكبر تجمع للجالية اليمنية، كما أن هناك نصب تذكاري في مدينة ليفربول للشهداء اليمنيين الذين قاتلوا مع القوات البريطانية في الحربيين العالمية الأولى والثانية.

 على الرغم من ذلك، وفي الشق الإيجابي للتأثير، فقد تقلد عدد من المسلمين والعرب مناصب عليا في المملكة المتحدة، فعمدة لندن اليوم صادق خان مسلم باكستاني، ورئيس وزراء أسكتلندا حمزة يوسف مسلم كذلك، ووصلت ليلى موران كنائبة عربية من أصول فلسطينية للبرلمان، وحاليا فإن عمدة ويستمنيستر حمزة توزال هو مغربي.

ويتصدر الأطباء العرب قائمة أفضل وأمهر الاختصاصيين والجراحين في أشهر المستشفيات والمراكز الصحية "GB"، كما ينشط عدد كبير من العرب في المملكة المتحدة في مجالس البلديات، ورأس طلاب عرب ومسلمون اتحادات الطلبة في بريطانيا، كانت آخرهم البريطانية التونسية شيماء دلالي، لكنهم حتى الآن لا يتحصلون على تمثيل سياسي وازن.

 وبرأيي ثمة جملة أسباب تقف خلف ذلك: منها أن الجيل الأول في الهجرة الحديثة في سبعينيات القرن الحالي من المهاجرين العرب الذين وصلوا لبريطانيا قد جاؤوا بعقلية "اللاجئ الطارئ"، وعاشوا سنوات على أنهم مقيمون مؤقتا إلى حين العودة لبلادهم.

ومن الأسباب كذلك خوف البعض من ذلك الجيل على أبنائهم من الانخراط في المجتمع البريطاني فاختاروا العزلة، بمقابل انفتاح آخرين على المجتمع البريطاني بلا حدود أدى لذوبان أبنائهم وفقدانهم للهوية.

من الأسباب كذلك طبيعة الظروف التي جاء فيها المهاجرون الأوائل لبريطانيا، والتي لم تكن ظروفا طبيعية، فغالبيتهم جاؤوا فارين من الحروب والاضطهاد السياسي والخوف على الحياة، فكان همهم الأوحد العيش في مكان آمن وتجنب أي مشاكل، جلهم جاء من تجارب سياسية مروعة في بلدانهم حيث علقت المشانق للنشطاء والمعارضين والمثقفين، فتولد لدى كثير منهم تجارب سالبة عن العمل السياسي بحد ذاته.

كذلك، فإن جملة تحديات لها علاقة بالاندماج في المجتمع الجديد كانت ماثلة أمامهم، لكن يبدو الجيل الثالث، وربما الرابع من أبناء البلد الذين ولدوا بريطانيين، ودرسوا في المدارس الإنجليزية هم من يعول عليهم، ولدى هذا الجيل قناعة مختلفة عمن سبقهم، فهم ينظرون لأنفسهم كبريطانيين أولا، ويتعاملون مع قضايا بلدانهم من هذا المنطق، وهو الأمر الذي يخضع للجدل الدائم بينهم وبين آبائهم.

بالمحصلة، تحتاج الجالية العربية في بريطانيا أو المجتمع العربي والمسلم لإعادة تعريف لوجوده على أنه مجتمع أصيل وليس طارئا، ولا تشغله فكرة العودة لبلده الأصلي مع عدم نسيانه، والوفاء له، والفخر بالانتساب له، كما يحتاج لوحدة في العمل والخطى والاتفاق على مشتركات كثيرة لا يوجد فيها خلاف فيما يتعلق بالهموم الداخلية كمواطنين بريطانيين عرب مثل المساواة في التوظيف ومحاصرة العنصرية، ومزيد من الاعتراف بالهوية الثقافية والدينية، في إطار مجتمع متنوع يضمن للعرب وغيرهم من الأقليات ذات الحقوق.

 أما في العمل من أجل قضايا بلدانهم فهناك أيضا قضايا مشتركة عديدة تتصدرها القضية الفلسطينية التي توحد الجالية العربية والمسلمة، وكذلك المطالبة بالحريات والحقوق في بلدانهم الأصلية وهي كذلك قيمة يفترض أنها جامعة ينبغي أن توحد الجالية صفوفها في الضغط على الأحزاب السياسية البريطانية والحكومات لأخذها بنظر الاعتبار باعتبارها معيارا أساسيا لتصويت العرب في بريطانيا لهذا الحزب أو ذاك، مع الإفادة من النظام الديمقراطي الليبرالي في تكوين جماعات ضغط تؤثر على قرارات الحكومة إزاء قضايا بلدانهم الأصلية.

ينبغي الإفادة برأيي من تجربة الجالية الآسيوية: "الباكستانيون والبنغلادشيون" تحديدا، والذين نجحوا في اختراق العمل السياسي، وقدموا عددا من أعضاء البرلمان ومجلس اللوردات، ورؤساء الوزراء كحالة حمزة يوسف في أسكوتلندا، فهم طاقة اقتصادية نجحوا في فرض أنفسهم، إضافة، لتوحدهم في دعم مرشحين محددين.

وقبل ذلك ينبغي على العرب في بريطانيا أن ينسوا الخلافات التي جاؤوا بها من بلدانهم، فسبب رئيسي لانقسام العرب في بريطانيا نقلهم للانقسامات السياسية والحزبية والمذهبية من بلدانهم لبلدان المهجر، وللأسف تنقل هذه الخلافات للساحة البريطانية بدلا من تحييدها، ينبغي العمل بعقلية مختلفة، تجمع العرب وتوحدهم، وليس التقاتل على تصدر المشهد تحت هذه اللافتة أو تلك، ينبغي العمل مع بعضنا البعض، وليس التخريب والتشويش على بعضنا البعض، فالساحة واسعة ورحبة ومتعطشة للعمل، والتأثير يكون: بالوحدة، و الاندماج الإيجابي، و المشاركة السياسية الفاعلة، وتشكيل لوبيات اقتصادية من رجال الأعمال العرب والمستثمرين، فلو أن الأموال العربية الموجودة في بريطانيا لوح بها فقط للضغط على سياسيات بريطانيا، لوجدنا تغييرا كبيرا، هذا موضوع آخر سنخصص له مقالا منفصلا يتناول الدور العربي الرسمي المطلوب.

 

 


منتدى ثقافي علمي ناطق بالعربية وهو مساحة نتشاركها جميعًا لنتحدث عما يجول في أذهاننا وما نتحدث فيه مع أصدقائنا في ما لا تتطرق له وسائل الإعلام، سواءً كانت فكرة جمعك حولها نقاش مع أصدقائك،.