التفكير الحر حق لكل مواطن عربي

ندواتنا

التطبيع من بوابة الدراما...السياق والدلالات

منتدى التفكير العربي

التطبيع من بوابة الدراما.. السياق والدلالات

 

المشاركون:

  • الكاتب والإعلامي الفلسطيني - الأستاذ فراس أبو هلال.

  • الفنان السوري عبدالحكيم قطيفان.

  • رئيس قسم الرأي في صحيفة العربي الجديد - الأستاذ معن البياري.

  • أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت - الدكتور شفيق الغبرا.

  • مدير الندوة: الأستاذ محمد أمين - رئيس منتدى التفكير العربي.

 

المحتويات

 

1- ضجة مسلسل "أم هارون" بين الشرعية والمبالغة والأجندات السياسية المرتبطة بصفقة القرن.

2- خصوصية توقيت بث مسلسل أم هارون وحقيقة توجيه الإساءات للقضية الفلسطينية.

3- التفسيرات المرتبطة بحملات الكراهية ضد الفلسطينيين.

4- واقعية التطبيع الثقافي في الأعمال العربي.

5- دور التوجيهات السياسية في الإنتاجات العربي.

6- الصداقة بين إسرائيل والخليج والرغبة في التطبيع.

7- التطبيع الفني عبر الدراما ودور كل من الممثلين والمنتجين.

8- دور المثقفين و النخب العربية في الوقوف ضد التطبيع.

ضجة مسلسل أم هارون بين الشرعية والمبالغة والأجندات السياسية المرتبطة بصفقة القرن.

محمد أمين: هل يستحق مسلسل أم هارون الضجة التي تسبب بها، وهل هي ضجة مشروعة أم مبالغ فيها؟

 

الدكتور شفيق الغبرا: الإثنين معًا. هناك ردة فعل وهي مرتبطة بالشعور بالضعف والعجز و أن العالم العربي يتفكك ويضعف وتنهار أولوياته التاريخية، ليس لأنه اختار هذا، بل لأنه دخل مرحلة من الاضمحلال والضعف، كما الحال في سوريا، والعراق، ومصر ، و أماكن أخرى انعكست على عموم المنطقة. هناك من يصمد، وهناك من لا يستطيع أن يصمد، الحسابات أيضا متغيرة ومختلفة. ورد فعل الناس والجماهير هي ردة فعل ستدافع عن هذا الحصن، وأقصد حصن الممانعة وعدم التطبيع، حصن المروية العربية والفلسطينية التي واجهت الصهيونية منذ البداية في إطار الإيمان الكامل بالحقوق المشروعة للشعب العربي وللشعب العربي الفلسطيني. إذا ردة الفعل صدرت ممن يشعر أن حقه مهضوم وأن صورته تتعرض للتشويه بطريقة غير قائمة على أساس موضوعي.

 

محمد أمين: هل فعلا تشتم رائحة الأجندات السياسية من هذه الأعمال الدرامية؟

 

د. شفيق: شخصيا أشتم نعم، لابد أن نشتم، فالكثير من الإعلام العربي هو في النهاية إعلام حكومي، وبالتالي يتأثر بالسياسات أكثر مما هو ممكن. في بعض الحالات نرى أن بعض الدول تعطي المساحة للإعلام ضمن حدود معينة، لكن اليوم يبدو أن الإعلام أصبح لصيقا للسياسة ومعبرا عنها وهذا لا يدين أي أحد، لا الممثل ولا الممثلة ولا أي أحد دخل بهذا العمل مقتنعا به، و ربما يجب تقييم هذه الأعمال من زاوية فنية، بحيث تجدها ضعيفة أم قوية. السياق العام للمنطقة العربية ذاهب باتجاه الإساءة للتاريخ، والمروية وللحقوق والأولوية، ولا نستغرب هذا في عالم عربي فيه الكثير من الاستبداد والكثير من الفشل على مستوى إدارة الدول.

 

محمد أمين لعبد الحكيم قطيفان: هل ترى بأن الضجة التي رافقت مسلسل أم هارون ومخرج سبعة بالتحديد مشروعة أم أنها اجتهاد فني؟

 

الضجة لها وجهان، أحدهما يستحق الضجة والوجه الآخر لا يستحق. ما رأيناه بين حوار القصبي و زميله فيما يخص مسألة إسرائيل في مسلسل "مخرج ٧" بأنها أفضل من فلسطين وأن الفلسطينيين تسببوا بمشاكل، أرى في هذا تلفيق للتاريخ، واحتقار لدم الناس، والحق التاريخي لأمة بأكملها. ما عدا ذلك، هناك أسئلة عديدة مشروعة موجهة للمجتمع السعودي والخليجي والعربي. وكذلك الحال في مسلسل أم هارون، فمسألة إعلان دولة إسرائيل - وهي النقطة التي أثارت الغضب و الزوبعة - حيث تناول المسلسل إعلان دولة إسرائيل على أرض إسرائيل وهذا أمر غير صحيح، فجميع من جاؤوا لتأسيس الدولة الإسرائيلية؛ جاؤوا عبر وثائق فلسطينية لا إسرائيلية.

 

 

 

محمد أمين للفنان عبدالحكيم:  ألا يمكن أن يكون ذلك خطأ في البحث؟

قطيفان: في الفن والإعلام لا يوجد ما يسمى بالخطأ، فهناك دائما قصدية معينة.

 

محمد أمين للدكتور شفيق: تقول أن هناك تكتيك وقناعة لدى بعض الدول العربية لتنساق خلف الأجندة الإسرائيلية أملا في الوصول لسيد البيت الأبيض، هل تعتقد بأن هذه السياسة مبنية على استراتيجية، أم هي تكتيك مؤقت لمحاولة ضمان العروش و البقاء فيها؟

هو تكتيك لكنه تحول إلى استراتيجية. ونرى أن ذلك بدأ عند قول السادات في أحد الأيام عند استلامه الحكم، أن 99% من أوراق اللعبة بيد الولايات المتحدة. جانب من تلك الاستراتيجية يعود إلى إخفاقنا في بناء مشروع حقيقي للدولة، والمجتمع، والإنسان العربي. حتى مشروع مجلس التعاون الخليجي يعاني من فشل كبير، بدليل ما وقع بين أقطاب المجلس ومن ثم حرب اليمين. ما تراه هو انعكاس لحالة من الضعف و التردي والسيطرة بلا مشاورة ولا مساحة، والتي أوصلت العالم العربي إلى طريق مسدود. جزء من الاستراتيجية الأخيرة تركز كثيرا على البيت الأبيض من خلال شخصية كوشنر الصهيونية اليمينية، ومن خلال اليمين الديني. أعتقد أن حتى التحالف بشكله الجديد أصبح أكثر إشكالية مما كان عليه في زمن رؤساء مثل كارتر أو ريغان.

أنا أرى أنه لا يوجد تعلم من التاريخ في الحال العربي. لربما البعض يتعلم و البعض الآخر لا يتعلم. مثلا الكويت تعلمت من التاريخ أن الوضع سيصل بها إلى طريق مسدود وهي لا تريد أن تتورط. العرب يتعاملون اليوم وكأن المرونة بدأت الآن، و لم ينتبهوا إلى أن تعامل العرب مع الصهيونية اتسم بالمرونة على مر الزمان والحركة الصهيونية لم تفعل نفس الشيء.

 

محمد أمين لفراس: هناك مبررات تسوقها الكثير من الأنظمة وحتى المنتجين عبر قولهم بأن المقاربة الاستراتيجية الحقيقية توجهنا للنظر لما تفعله إيران و ما تفعله إسرائيل، لذا دعونا نتحالف مع إسرائيل لمواجهة هذا الخطر.

 

في هذا الطرح عدة مغالطات. أولى تلك المغالطات هي فكرة أن وجود خصومة مع طرف أو حتى عداء لا ينفي العداء مع الطرف الآخر. هل يجب أن أكون إما عدوا لإسرائيل أو إيران؟ ألا أستطيع أن أكون عدوا للاثنين معا؟ لماذا يتم المقارنة بين الخطرين في حين أن كل خطر له طبيعته وشكله. الأمر الآخر، أن إيران لديها سياسة إشكالية في  المنطقة وشراكة في الجرائم التي تمت في سوريا مثلا، وإلى حد كبير في اليمن وكذلك دورها التخريبي في العراق. المسؤول الأول عن ذلك هو الأنظمة العربية سواء سوريا عندما رفض النظام  الحوار مع شعبه أو الدول العربية التي تسمي نفسها بالدول السنية والتي تركت نفسها لإيران. من جانب آخر طبيعة العداء مع إسرائيل مختلفة عن طبيعة العداء مع إيران، بمعنى أن العداء مع الاحتلال هو عداء مع طبيعته التأسيسية، حيث أنه وجد ليخرب المنطقة ويخرب أي مشروع نهضوي في المنطقة ويفتت أي إمكانية لوحدة أو على الأقل تكامل بين الدول العربية ومنع التطور والتنمية في الدول العربية. لذلك، إذا تغير رئيس وزراء الاحتلال أو حتى كان عربيا، لن تتغير طبيعة هذا العدو، لأن هذه الدولة أسست ليكون هذا دورها. بينما علاقتنا مع إيران والتي لدينا معها مشاكل وربما عداء؛ تتغير بتغير الحاكم. لدينا مع إيران تنافس تاريخي وسيبقى، لكن ربما إذا تغيرت السياسة في أحد هذه الأطراف ستتغير المعادلة. والدليل أن العلاقة مع تركيا مثلا علاقة مشروعة رغم مشاريعها التي مازالت قائمة. إذا العداء مع إيران ليس نفس العداء مع الاحتلال.

 

خصوصية توقيت بث مسلسل أم هارون وحقيقة توجيه الإساءات للقضية الفلسطينية

 

محمد أمين لمعن: كثيرا ما ربطت هذه المسلسلات بين تقبل الإسرائيلي و صفقة القرن، فهل تعتقد أنه هناك محاولة للترويج الخفي لبنود هذه الصفقة؟

 

تضمن مسلسل أم هارون فقرة أو اثنتين تم الحديث فيها عن ضرورة تغيير في نظم التربية والتعليم والثقافة، من أجل ما يسمى تعايش عربي إسرائيلي. ونجحت إسرائيل في تنظيم عدة مؤتمرات في قضية التعويضات من قبل الدول العربية لإسرائيل مقابل مغادرة اليهود، وللأسف، لم يتم الرد من قبل أصحاب القرار في العالم العربي بشكل لائق. والرد سهل جدا في هذه المسألة ويشمل "تعويضات من أجل ماذا؟" معظم هؤلاء اليهود باعوا أملاكهم وهاجروا لأمريكا وأوروبا ولا نمانع عودتهم. كان من الممكن رد  هذه الفكرة التي بيعت وسوقت في الغرب وتم طرحها كفقاعات وقوبلت بنوع من الصمت والإهمال والفكرة خطيرة جدا. أتذكر إلن توماس؛ الإعلامية في البيت الأبيض من أصل لبناني، قالت حل القضية الفلسطينية يكمن بعودة اليهود من حيث جاؤوا. الفكرة صعبة وخيالية لم يتم مناقشتها في حين أن إسرائيل طبخت الفكرة جيدا.

 

محمد أمين للدكتور شفيق: جزء من الضجة التي أثارتها هذه المسلسلات هي أنها جاءت بعد شهور من تحضير لما يسمى بصفقة القرن، بتقديرك، أين وصلت صفقة القرن؟

 

الصفقة لم تكن أكثر من واجهة لنمط من العلاقات ولم يكن فيها شريك فلسطيني، لم يكن الشعب العربي حتى شريك فيها. هي واجهة لتفتيت ما تم إنجازه حتى الآن من حيث الاستيطان والتوسع وأخذ أراضي 40% من الضفة الغربية، فهذا واقع على الأرض، لكنه في نفس الوقت ينهي اتفاقيات أوسلو ومعاهدات السلام وينطلق بعلاقة خاصة مع البيت الأبيض الذي استعد لنقل السفارة للقدس، واستعد لأمور عديدة أخرى. إذا الصفقة تأكيد على وضع قائم لن تستطيع تغييره. إذا لازال الشعب الفلسطيني في معركته ولازالت الحقيقة أنك تقوم بصفقة دون الشريك الحقيقي المتضرر وأن الصفقة تقوم على بيئة فاسدة و مريضة فهي بيئة احتلال وقمع وسجون ولا يوجد فيها عدالة. اليوم الشعب الفلسطيني يستطيع في أي وقت تغيير هذه المعادلة على الرغم من أن الوضع مشتت، لكنه لن يستمر للأبد. هناك مخاض في الحالة الفلسطينية. وأقول مرة أخرى حول مسألة عودة اليهود، أن مجيء اليهود لإسرائيل بالمنظور الصهيوني كان عودة وكان يستحق احتفالا وترحيبا. الفلسطيني رفض منذ البداية التنازل عن أراضيه لكن اليهودي لم يرفض، وأقام بعض التفجيرات، مما جعل اسرائيل تستقبل اليهود كأنهم أبطال وليس كأنهم جزءا من النسيج.

 

محمد أمين لمعن: هل ترى بأن هناك إساءة مقصودة في هذا الأعمال عند رواية الصراع العربي الإسرائيلي؟

 

يبث على الشاشات والفضائيات العربية الآن حوالي ٥٠ مسلسلا جديدا بين مصري وسوري  خليجي وغيره. واستأثر بالاهتمام الخاص من جملة هذه المسلسلات ٣ أو ٤ أعمال، أحدهم مسلسل مصري يتعلق بالحرب على الإرهاب في سيناء والعمل الذي أخذ الضجيج الأكبر  وهو أم هارون. ويفسر هذا بأنه لأول مرة -فيما أعرف على الأقل منذ مطالعة الدراما العربية منذ الستينات إلى الآن-، لم تقترب الدراما العربية من موضوع العرب اليهود في منطقة الخليج. اليهود حضروا في كثير من المسلسلات التلفزيونية السورية والمصرية، لكن خصص المسلسل  الحديث عن اليهود في منطقة الخليج لأول مرة، ما أثار التساؤلات والاستفهامات والقيل والقال. بالإضافة لتلك الأعمال، كان هناك عمل تلفزيوني فكاهي بسيط من البيئة السعودية تضمن إساءات واضحة للشعب الفلسطيني وتمريرات لمقولات مرفوضة لأنها تسوق إلى حد ما العلاقة مع إسرائيل من باب المنافع بسذاجة وسخف. بالإضافة لأعمال أخرى لم تحظ بالاهتمام لكنها موفقة وفيها بعض الجوانب الفنية والجمالية.

 

محمد أمين لمعن: نحن اليوم نتحدث بالتحديد عن مسلسل "أم هارون" و عن "مخرج سبعة"، لأنهما أثارا ضجة كبيرة، وخصوصا عن التوقيت الذي تم اختياره للحديث عن اليهود العرب، ألا تطرح هذه الأعمال التساؤلات عن التوقيت وعن السياق؟

 

أتابع مسلسل أم هارون حلقة بحلقة كل ليلة، والمسلسل لا يتضمن أي مقولة باتجاه إسرائيل أو الدفاع عنها أو التسليم بحق إسرائيل في فلسطين أو حتى بمقولة التسامح مع اليهود. هو مسلسل تقليدي عادي فيه قصصا اجتماعية من حب وطلاق وزواج وخيانات، والميلودراما المعهودة، ومثل باقي المسلسلات العربية المعهودة التي تحتوي على ٣٠ حلقة. المسلسل لم يحدد المنطقة الجغرافية إذا كانت في الكويت أو البحرين، لكن البيئة واللهجة خليجيتان. هذا الأمر هو الذي أثار الجدة في الموضوع. المسلسل يتضمن شخصيات يهودية ذات توصيفات إيجابية بمعنى أنها مناهضة لإسرائيل، وشخصيات صهيونية. العمل بشكل عام ليس متعاطف مع إسرائيل. بعض الأشخاص بطبيعتهم كارهين لليهود وهذا موجود. وأنا، بتصوري، الجهة التي بثت وأنتجت المسلسل ليست الجهة الأحرى بالتحدث عن اليهود العرب. هذا الحديث من المفترض أن يتناوله الديموقراطيون، والناس التي تفهم المواطنة وماذا تعني الحقوق والتاريخ، فتقديم هذا الأمر عن طريق التأسيس السردي القصصي، يحمل إيحاءات تبعث على الريبة والتشكيك والتساؤل، بمعنى أن هذه الجهة تحمل رسالة ما لإسرائيل وأنهم  يودون التسامح مع اليهود، وهذه مقولة صحيحة وهي ليست مستنكرة. إنما كونها تأتي في سياق معين وتنسب لإسرائيل في جهة معينة، هذا يضع ألف سؤال وسؤال. وأكرر، المسلسل في حد ذاته لا يتضمن وجود حق لإسرائيل في فلسطين أو دعوة للتطبيع.

 

التفسيرات المرتبطة بحملات الكراهية ضد الفلسطينيين

 

محمد أمين لفراس: إذا لم تكن هناك أي إيحاءات، لماذا غضب البعض من هذا المسلسل؟

 

في الحقيقة، لا نستطيع أخذ المسلسلين بعيدا عن السياق في المنطقة. هناك سياق يقوم على تشويه الفلسطيني وشيطنته و"أنسنة الاحتلال" ولا أقول هنا الإنسان اليهودي، لأن الإنسان اليهودي فيه الجيد وفيه السيء وفيه الطيب والشرير مثل أي إنسان آخر، وأي مقولة بعكس ذلك هي مقولة غير ديمقراطية بل مقولة عنصرية. السياق العام هو شيطنة الفلسطيني واتهامه بعدة اتهامات، إذ أن هناك اتجاه للهرولة نحو الاحتلال، حتى تتم تهيئة الأرضية لهذه الهرولة شعبيا حيث يتم ضخ خطاب جديد على المنطقة. و كان هذا الخطاب موجودا لكنه كان غائبا ومحاربا، ولا يمثل إلا نسبة بسيطة من الخطاب السائد في العالم العربي. أما الآن، أصبح هذا الخطاب سائدا في الإعلام العربي وإعلام الدول التي تتجه نحو الهرولة لتطبيع العلاقات مع الاحتلال. النشاط على مواقع التواصل الاجتماعي الذي لا يمكن أن يتم إلا برضى حكومي في ظل وجود أنظمة مستبدة أو أنظمة حكم شمولية تسيطر على كل الفضاء العام. وأيضا يتم إطلاق بالونات اختبار مثل خروج شخصيات تعبر عن حبها للاحتلال واللقاء بنتنياهو. ولا يمكن لشخص في دولة شمولية - دون تسمية - أن يخرج منها شخص ويقول أنا أحب نتنياهو و أريد أن التقط صورة معه، ثم يقوم بزيارة دولة الاحتلال ومقابلة رئيس حكومة الاحتلال ومن ثم يعود لعاصمة بلاده دون أن يسأله أحد، فهذا غير ممكن، لذا هناك سياق عام. أما عن المسلسل بالتحديد - مسلسل أم هارون- أنا أؤكد على كلام الأستاذ معن، أن الخطاب الإنساني الذي نؤمن به، هو الخطاب الذي يتعامل مع اليهود على أنهم بشر عاديون، فيهم كل أصناف الحسنات والشرور، وأيضا أن اليهود العرب هم جزء من النسيج العربي والإسلامي. فعلى العكس، نحن كعرب ومسلمين نفتخر بوجود مجتمع يهودي في بلادنا لم يتعرض للأذى. المسألة اليهودية أو مسألة معاداة السامية هي ليست لا مسألة عربية ولا إسلامية، بل هي مسألة أوروبية، وبالتالي مشكلة هذا المسلسل في ظل هذه السياقات، أنه يأتي و كأنه يساوي بين اليهودي وبين الإسرائيلي، وكأنه يقول للمواطن العربي العام الذي لا يفرق بين اليهودي وبين الإسرائيلي، بأن الإسرائيلي الذي هو "الاحتلال" يمكن أن يكون طبيبا ممتازا أو جارة جميلة أو إنسانة عظيمة. لكن مشكلتنا ليست مع اليهود العرب ولا مع اليهود الأجانب، إنما مع الاحتلال.

 

محمد أمين للدكتورشفيق: دعني أسألك عما يكتب على بعض المواقع والشاشات والتي يمكن أن نستشعر منها أن هناك حملة كراهية متصاعدة تجاه الفلسطيني والقضية الفلسطينية، فما تفسيرك؟

 

هناك حملة، وطرق التطبيع الراهنة مختلفة عن المحاولات السابقة، بمعنى أن المحاولات السابقة تلخصت في عبارات مثل: نعاني كثيرا بسبب الحرب، القضية الفلسطينية محقة، الشعب العربي محق، الصراع العربي الصهيوني قائم على أرضية الدفاع عن حقوق سليبة، لكن هناك وسائل أخرى للوصول إلى الحقوق، ربما من خلال العمل السلمي، ربما من خلال الاتصال، وهذا كان مبرر، و قد طرح من جانب الأردن عندما قام بسلامه، من جانب عرفات عندما قام بالتوقيع على أوسلو، حتى من جانب الرئيس السادات عندما قام بكامب ديفيد، أما الآن الحملة مختلفة، فعندما تقول أنك تريد أن تبني علاقة مع إسرائيل والحركة الصهيونية وتقرنها بهجوم ليس له أول ولا آخر على المروية العربية والمروية الفلسطينية ومروية حرب 48، فهو تخلي عن الأبعاد التي تعطي للحق العربي المكان الذي يشيد به ويراه الكثير من الناس في العالم كله. والمختلف الآن أن الوضع العربي ضعيف جدا وأن العرب يشعرون بثقل كبير وأن الظهر مكشوف، فجاء ترامب وبقوة مع اليمين الصهيوني واليمين الديني وذهب باتجاه استثمر فيه كل نقاط الضعف العربية. صحيح هناك حالات وقفت مثل الكويت بصعوبة رغم المحاولات المستمرة للإساءة إليها من هذا المنطلق. أطراف عربية عديدة وقفت، لكن الإطار العام هو بهذا الاتجاه، وهو إطار سطحي، لأننا إذا درسنا جيدا ما وقع بين مصر وإسرائيل وبين الأردن و إسرائيل، يتبادر إلينا سؤال أين هم بعد 20-30-50 عام من التوقيع؟ هل الوضع أفضل؟ هل هو أسوأ؟ هل أعطى لإسرائيل المجال دون أن يفيد العرب؟ وهنا نعود مرة أخرى لنرى أن هذا الاتجاه سيصل إلى قمة من قممه، لكنه سيعود مرة ثانية إلى الاصطدام بالحقائق الشعبية وحقائق العدالة والظلم والحقوق والبحث عن الحرية، وهذه هي القضايا التي تحرك القضية الفلسطينية في قاع المجتمع الفلسطيني، إذ يعيش 6 ملايين شخص تحت الاحتلال الإسرائيلي، أو تحت الحصار في غزة أو تحت التمييز بينهم. العالم العربي لازال بمخاض ومخاض كبير وأنا أرى أن هذا لا يغلق الباب على شيء، فهي محاولة ستصل لطريق و يقاومها الكثير من الناس، لكن العالم العربي لم ينهض بعد، وهو في أضعف نقاطه الآن.

 

 واقعية التطبيع الثقافي في الأعمال العربية

 

محمد أمين لمعن: من الواضح أنك تتابع مسلسل أم هارون بشكل يومي، و تقول أن ليس هناك أي شيء يخص الدعوة للتطبيع، لكن الكثير من الناس في العالم العربي لا يفرقون بين اليهودي كابن ديانة والإسرائيلي تحت ظل المشروع الصهيوني، ألا تشتم تطبيعا من باب التطبيع الثقافي والدخول لإقناع المواطن بالتطبيع عن طريق سرد رواية غير صحيحة؟

 

الناس في العموم تمتلك وجهة نظر حادة وسلبية تجاه اليهود وهذا أمر له أسباب تاريخية وأسباب معقدة ومعروفة، وحكاية التفريق بين اليهودي والصهيوني هو خطاب شائع بين المثقفين والنخب والمتعلمين. التلفاز بشكل عام يذهب للجماهير، بالتالي لربما ينطبع في أذهان الناس العامة أن ها نحن نرى أن اليهودي شخص جيد، فأين هي المشكلة؟ وهذه إيحاءات قد تتسرب لأذهان الناس العاديين، و هنا لابد من وجود نوع من الحذاقة والضرورة لترسيخ فكرة أن إسرائيل ليست الناطق باسم اليهود في العالم، و أن العرب اليهود هم مواطنون واجهتهم ظروف أجبرتهم على مغادرة بلدانهم إلى الولايات المتحدة أو أوروبا. معظم يهود الخليج توجهوا للولايات المتحدة. لذلك هذا التعريف والتمييز يتطلب جهدا وعملا وأن تكون الناس على دراية. فلسطين لم تكن الخيار الوحيد لإقامة دولة إسرائيل عليها، ومن الخطير أن نعتبر أن إسرائيل تمثل اليهود. بالتالي ما يمكن أن يتسرب من رسائل وإيحاءات قد لا تكون واضحة في المسلسل، تستلزم التمييز بينها و بين المسلسل نفسه.

 

محمد أمين لمعن: ألا تعتبر أن هذه الرسائل ليست بريئة وربما تكون مهدفة؟

 

طبعا، فإقدام شركة إنتاج إماراتية وقناة تلفزيونية فضائية سعودية لها علاقاتها وبث المسلسل في هذه الظروف، دليل على أن هناك مرسلة ما يريد الحكم السعودي إظهارها.

 

محمد أمين لفراس: هل الخوف مبرر؟ هل من الممكن أن يفتح مسلسل الأبواب العربية للتطبيع؟

 

الخوف ليس مبررا لكن الرد مبرر. بمعنى أن على الشعوب والنخب البقاء على أهبة الاستعداد للرد على أي محاولة لشيطنة الفلسطيني. لكن هذا لا يعني بأننا خائفون، أنا كتبت في مقال بأنني أتحدى أن يرفع القمع عن وسائل الإعلام العربية سواء الرسمية أو مواقع التواصل الاجتماعي ويسمح بالحرية لمدة يومين، وهذا سيجعلنا نرى ما هي الآراء الحقيقية للشعوب. أنا أراهن على ذلك. إنني أدرك بأن القضية الفلسطينية وجدانية ولا يمكن تغييرها بمسلسل أو اثنين أو ثلاث، بل على العكس، وجودها هو دليل على أن صناع القرار يريدون تجهيز الأرضية لقبول هرولتهم للتطبيع مع إسرائيل. بالتالي نحن لا نخاف، لكننا يجب أن نرد دائما وأن نحيي الرفض الشعبي حتى تدرك السلطات من جهة والمؤسسات الإعلامية من جهة أخرى، بأن المساس بالقضية الفلسطينية ليس سهلا حتى لو كنا نمر بظروف بائسة. وهذا يجعلنا نتجه لعدم لوم الرافضين لمثل هذه الأعمال بل تحيتهم.

 

 

دور التوجيهات السياسية في الإنتاجات العربية

 

محمد أمين لعبد الحكيم: هل هذا الإنتاج يمكن أن تقوم به هذه الفضائية بقرار فردي، دون وجود توجيه سياسي؟ أين الحد الفاصل بين الفردي والسياسي، فالممثل موظف لا يتدخل في القرارات وليس مسؤولا عنها.

 

النص التلفزيوني والأغنية وكل ما يمكن أن يكون منتج فني ثقافي، يمر عبر الرقابة التي تسمح أو لا تسمح ببث العمل. ولو أخذنا من الدراما السورية التاريخية مثالا، عندما كنا على خلاف مع تركيا رأينا كيف تناولنا الجانب التركي على أنه شخص شاذ أو دموي إلخ.. وعندما تصالحت السياسية مع بعضها البعض رأينا أننا امتداد حضاري وديني وثقافي لتركيا. وكذلك الأمر مع أوروبا وفرنسا، فعندما كنا على عداء صورت الدراما الفرنسي على أنه مستعمر  وشخص عدائي يقصف دمشق ويعتقل الناس، و لكن عندما تصالحت السياسية، أظهرت الدراما السورية ما قدمه الفرنسيون من محاسن كالمطبعة والثقافة والعلوم والمستشفيات، إلخ.. دائما السياسي هو من يتحكم، لكن لا يجب تحميل القصة أكثر مما ينبغي، فليس هناك استراتيجية واضحة للإعلام والثقافة. أنا أرى أن كل الأعمال هي ارتجالات، فالدراما تعكس ارتجالات آنية وليس لها استراتيجية تتبعها. بعض الأمم لديها استراتيجيات تتعلق بالإعلام والثقافة. الأتراك مثلا حاليا يعملون على توضيح التاريخ بهدف إقامة مشروع سياحي وتاريخي، وكذلك الإسرائيليون لديهم مشروع أمة يعملون عليه على كل المستويات وعبر جميع المنصات ولا أعتقد بأننا لدينا بالمحصلة هذا المشروع التاريخي. لكل بلد عربي مشروعها التاريخي الخاص بها الذي يتضارب مع البلدان العربية الأخرى. على سبيل المثال، أنتجت إحدى البلدان العربية منذ بضع سنوات مسلسل له علاقة بالصراع التركي الفارسي، لكن بعد حصول تقارب بين الدولة المنتجة وإيران أصبح المسلسل على الرفوف. أنا أعتقد أن القضية الفلسطينية هي قضية تاريخية ووجدانية وقضية حق، لذلك الخوف الذي يعيشه الشارع العربي من بعض الأعمال الدرامية ليس له من داع.

 

الصداقة بين إسرائيل والخليج والرغبة في التطبيع

 

محمد أمين للدكتور شفيق: ما الجدوى التي تبتغيها بعض دول الخليج من الصداقة مع إسرائيل والرغبة في تطبيع العلاقة؟

 

بعض النخب في الوطن العربي تشعر بالانبهار تجاه إسرائيل في حين أن البعض الآخر يشعر بالانبهار تجاه الولايات المتحدة. هذا الانبهار بالدول الغربية والاستعمارية ليس جديدا لا في العالم العربي ولا إفريقيا ولا دول العالم الثالث، وقاد هذا الكثير منها لتكوين علاقات تاريخية مع إسرائيل. ومن جانب آخر هناك خوف من إيران والتيارات السياسية في المجتمع العربي والتي تحمل فكرا إسلاميا أو ليبراليا أو ديمقراطيا، لذا أعتقد أن النظام العربي يمر بمأزق في وسائل الحكم والتعبير، وقد يكون التقرب من إسرائيل ضمانة للوصول للبيت الأبيض ومن خلال البيت الأبيض يأتي الدعم الأمني والاستخباراتي والاستراتيجي. إسرائيل مسؤولة عن ملف الشرق الأوسط في البيت الأبيض منذ سنوات طويلة، وتمسكت به أكثر منذ استلام ترامب الحكم في الولايات المتحدة.   وإذا أخذنا من الرئيس السوري مثالا، نجد أنه فضل التحالف مع إيران وروسيا على أن يتحدث مع شعبه، ما يؤكد عدم إيمان الأنظمة بضرورة إشراك الشعوب في بلادهم.   أما بالنسبة للاستراتيجيات التي تقوم على الخوف، فأنا لا أراها ناجحة، على عكس المشاريع التي لها أبعاد حقيقة وتقوم على مشاركة الشعوب والحوار معها. الخوف يؤدي لهزائم، فالأساس أن تعرف ممن تخاف وماذا تريد من حلفائك الحقيقيين. والسؤال هنا موجه للنخب العربية التي تتوجه لإسرائيل، هل هي حقا تفهم ما هي الصهيونية وما هو المشروع الإسرائيلي القائم على التحكم في مفاصل العالم العربي؟ نجد أيضا أن بعض القادة الفلسطينيين عند التفاهم مع الصهيونيين لا يعون الهدف الحقيقي ولا يملكون مهارة التفكير ولا يعرفون كيف يخافون.   اليهود العرب كانوا جزءا لا يتجزأ من المجتمع العربي قبل الاستعمار، و من ثم جاء الاستعمار وجاءت الصهيونية للتلاعب بذلك. اليهود العرب الذين هاجروا لإسرائيل لم يهاجروا طوعا، و إنما هاجروا لأن الحركة الصهيونية كانت بحاجة لمئات الآلاف من العمال المهرة  ليساندوا اليهود الأوروبيين في بناء هذه الدولة وتم ذلك عبر وسائل عديدة قامت بها إسرائيل لمسح هوية اليهود العرب.

 

الأستاذ معن: أود أن أشير أن هناك أصوات ونخب في الخليج تدعو إلى إقامة علاقات مع إسرائيل، والخطير في الموضوع هو ما نراه على مواقع التواصل الاجتماعي من أصوات تعتبر نكرة لم أسمع بها من قبل، وتطلق هاشتاغات مثل" فلسطين ليست قضيتي"، "نتنياهو احرق الفلسطينيين"، وهذه الأفعال قد تقنع الوعي العام بأن هؤلاء هم الخليجيون. وإذا ترسخ في أذهاننا أن تلك الأصوات تمثل الخليجيين فهي كارثة. الخليجيون ليسوا كذلك إطلاقا لا بالفطرة ولا بمعتقداتهم الإيمانية والإسلامية. لذلك كنت أتمنى لو يتم كتابة تاريخ انتصار الشعوب الخليجية من أجل الشعب الفلسطيني، وأشير هنا إلى كتاب رائع ومهم للراحل الباحث خالد البسام عن البحرين وفلسطين بين فترة 1917-1948، وكيف كانت البحرين تجمع التبرعات وتقيم المهرجانات لنصرة فلسطين. وللأسف هناك أسماء لنخب عربية من دول كلبنان ومصر  وسوريا تتحدث عن شعوب دول الخليج بفوقية وبنوع من التعالي وهذا أمر إذا تم تعزيزه يشكل خطرا. لذلك أرى أن هناك مهمة تقع على عاتقنا كإعلاميين وكتاب وثقافيين أن نتحدث عن هذا الموضوع.

 

محمد أمين لفراس: هناك هجمة كبيرة على الخليج و على الخليجيين، تنطلق من مطلق أن شعوب الخليج تطبع وهي منساقة لأجندات بعض الدول، ألا تعتبر أن في هذا مبالغة؟ كيف تنظر للموقف الحقيقي للشعوب في الخليج ازاء القضية الفلسطينية؟

 

المواطن الخليجي كأي مواطن عربي مغلوب على أمره، فاليوم لا يستطيع أي مواطن في كثير من الدول العربية أن يتحدث دون أن يفكر بأنه سيزج بالسجن. بالتالي لا يمكن اتهام المواطن العربي بالجملة وتحميله مسؤولية ما يقوم به النظام السياسي أو الدولة. أعتقد أن الجميع يدرك بأن هناك فرق بين أي مواطن عربي وبين نظامه السياسي. لكن أنا أتفق مع ما طرحه الأستاذ معن بأن هناك بعض النخب التي مارست دورا عنصريا تجاه دول الخليج بأنها دول "مدن رمال" ولا تمتلك وعي. وهذا كلام فارغ، بل على العكس، هناك وعي كبير جدا وهناك حركة ثقافية كبيرة مثلا في السعودية وقبلها في الكويت. وفي البحرين تعتبر الحركة المقاومة للتطبيع من أهم الحركات المقاومة للتطبيع في العالم العربي. هذه شعوب عظيمة تنتمي لعمقها العربي.   ويعود السبب في أن صوت تلك الحركات خافت، لأن الشعب مهدد بالسجن إذا تحدث. لنضع أنفسنا مكانهم وبالطبع إذا كانت كلمتي تعني موتي، لن أدعي بأني سأمارس الشهادة أو الانتحار. الإنسان يخضع لظروفه وبيئته، لا يجب أن نلوم الشعوب الخليجية لنصبح وكأننا نعاقبها مرتين. النظام يعاقبها أولا بتشويه صورتها من خلال هذه الأعمال ورفع صوت ما يسمى بالذباب الالكتروني، والنظام يعاقبها إذا تفوهت بأي كلمة خارج سياق سياساته ثم نأتي نحن فنلقي باللوم عليهم بأنهم موافقون على ما يقوم به النظام. إذا أعطيت تلك الشعوب الحق في التعبير سنرى الحقيقة و عندها قد نستطيع الحكم عليها. والدليل على هذا أن البحرين التي تمتلك نفسا قليلا من الحرية، استضافت ندوة مقاومة للتطبيع،       و بعد بثها الكترونيا بنصف ساعة قامت السلطات بقطعها.

 

 محمد أمين لمعن: لماذا تركز الحركة الصهيونية على الخليج ويتوقون للحظة التي يتم فيها فتح أبواب الخليج للتطبيع الشامل دونا عن بقية الدول العربية؟

 

في البضع سنوات الأخيرة، استهدفت إسرائيل المواطن الخليجي وجرته للتطبيع وربما وجدوا في الحكم الجديد لمحمد بن زايد في الإمارات ومحمد بن سلمان في السعودية وملك البحرين تمهيدا دفع بإسرائيل لاجتذاب المثقفين الخليجيين واللاعبين الفنانيين.

 

حمد أمين للدكتور شفيق: ماذا تريد إسرائيل من دول الخليج؟

 

بشكل أساسي، إسرائيل تريد من الخليج ومن كل علاقة تنجزها مع أي دولة عربية أن تلتف على كل الأعمال التي قامت بها في الأراضي المحتلة وفي فلسطين وهذا جزء من الأسلوب الصهيوني منذ البداية. فحاول وايزمان أن يلتقي بالملك فيصل، ملك الوحدة العربية والتقى به. والتقى بالرئيس اللبناني أيضا وكله في محاولة للالتفاف. و من جانب آخر، هناك ما يتعلق بالأبعاد المالية، فما المانع من علاقة تكاملية تستفيد منها إسرائيل. تريد إسرائيل تقديم خدماتها الاستخباراتية، لذا ما المانع من أن يصبح الموساد أكثر قوة ويجد له مواقع جديدة. من جانب آخر تريد إسرائيل أن تورط الخليج في المعركة مع إيران، حتى لا تكون هي الدولة التي تخوض، لأنه بالنسبة لها الإشكالية مع إيران ليست أنها دخلت عواصم عربية، إنما أن إيران لديها مشروع نووي وإسرائيل تريد أن يبقى المشروع النووي ملكا لها وحدها. من هنا يأتي التناقض التركي الإسرائيلي والإيراني الإسرائيلي، و من هنا يأتي السعي للمزيد من الاختراق والدخول بأمور تساعد إسرائيل في تحقيق أجندتها. لكن متى ما تحققت الأجندة الإسرائيلية، ومتى ما وجدت أن الأجندة الخليجية لم تعد مناسبة لها ستنسحب. وهنا يكمن الإشكال، فحتى في المراحل الأخيرة، كان هناك تورط بأن إسرائيل تستطيع القيام بضربة لكن إسرائيل لا تريد أن تقوم بالضربة، بل تريد للولايات المتحدة أن تقوم بها.

 

التطبيع الفني عبر الدراما ودور كل من الممثلين والمنتجين

 

محمد أمين لعبد الحكيم:هل تعتقد بأن التطبيع الفني عبر الدراما يعكس تغير في موقف الفنان العربي الذي عرف دوما بأنه ملتزم ومتضامن وداعم للقضية الفلسطينية؟

 

برأيي الفنان العربي ليس جزيرة مقطوعة عن السياق الاجتماعي الذي تربى فيه وتكونت من خلاله ايدولوجيته. شئنا أم أبينا الفنان العربي يتأثر بالسياسة العربية وقسم كبير منهم لديه صندوق أسود مع هذا الحاكم أو ذاك، لكن أنا أعتقد أن الفنان العربي صاحب مشروع وهم . كما قلت قد ترى بأن بعض المشاريع بعيدة عن السياسة بشكل مباشر وأن رأس المال فقط هو الذي يعمل. لا نريد أن نحاكم الناس لمجرد أنهم عملوا في مسلسل ما، نحن يجب أن نفكك العمل و أن نشير لمواقع الخلل وأن نعبر عن خطورة بعض النصوص. يفترض على الفنان التدقيق بالنص، فمثلا دور الفنان ناصر القصبي دور مهم جدا لكنه جزء من منظومة أكبر تهدف لإيصال الرأي الآخر. من المهم جدا أن يتم قراءة هذه الأعمال بطريقة واعية وأن يتم تفكيكها بوعي ولا أعتقد أنها تشكل خطورة. هل تعتقد بأن مسلسل باب الحارة لم يشكل إساءة عندما قام بتشويه دمشق؟ في بعض الأعمال نشعر بأن رأس المال يزاود على السياسة ويريد أن يتقدم عليها.

 

محمد أمين لعبدالحكيم: الداعمون لمثل هذه الأعمال يردون على المنتقدين بأن لهم حرية عدم المشاهدة، فكيف ترد على من يقول هذا؟

 

الخطورة تكمن في أن رمضان تحديدا يعتبر موسم "الفرجة العربية" لذا بكل بساطة، المنتجون يعتمدون على توظيف فنانيين محبوبين على نطاق الوطن العربي ومن ثم توجيه إساءات معينة، الأمر الذي يمنع المشاهد من تجاهل العمل الفني. وهذا يجبر المشاهد على متابعة ما تقوله تلك الأعمال بحق المشاهد. فمثلا عندما تقول في مسلسل أن الدولة الصهيونية قامت على أرض إسرائيل متناسيين المذابح والمآسي، هذا الأمر الذي يتسبب بالألم يجعلني أتابع العمل. ولا نريد أيضا أن ننسى التغول الإيراني في الوطن العربي، والحقيقة التاريخية بأنها تحتل ٤ عواصم بينما إسرائيل تحتل عاصمة واحدة.

 

محمد أمين لعبد الحكيم: إبان التطبيع الأول مع إسرائيل في مصر والأردن مثلا تم تجريب تغيير المناهج، فلماذا عادوا الآن للوسيلة الأولى التي جربت وهي الولوج  للتطبيع عبر التطبيع الثقافي والفني؟ هل تراهن هذه الانتاجات هذه المرة على النجاح؟

 

مثل ما قال نتنياهو أن إسرائيل حاولت اختراق البلدان من خلال السياسة والأنظمة وفشلوا. هناك خطورة شديدة لأن الفن والدراما والأغنية هي قوى ناعمة وهائلة التأثير، وهي رأس مال معنوي جدا، خاصة أنه يعتمد على أشخاص محبوبين وعلى أناس مقبولين من قبل كل بيت عربي. وفي هذا بالذات تكمن الخطورة في استثمار رأس المال في تسويق فكرة التطبيع والتعايش وأي فكرة يريد المنتجون تعميمها.   القصة بكل بساطة أن النقد في هذه الحالة لن يحدث شيئا تماما كما لو نظرنا للقرآن الذي لن يصيبه شيء إذا انتقده الناس لأنه محفوظ. برأيي وجدان أمة عمرها آلاف السنين، وقضية عمرها عشرات السنين، لا يمكن أن يتم هزها من خلال مسلسل. لدينا في الوطن العربي رأس مال كاف لإنتاج دراما معاكسة توثق التاريخ والألم والحق، فالنستعمل نفس الأدوات. لماذا لم تنتج فلسطين أعمال حقيقية تتحدث عن هذا الإرث بقوة والملاحم الفلسطينية؟ وهذه دعوى للسلطة الفلسطينية وأصحاب رأس المال أن ينتجوا المزيد من الأعمال.

 

محمد أمين لفراس: ما الذي يعيق استعمال هذه الأدوات الناعمة؟

 

ما يعيقها هو أن الإنتاج الفني في العالم العربي والإعلامي محكوم بالسياسة بشكل عام، و ربما بشكل غير مباشر في بعض الدول وبشكل مباشر في دول أخرى. حتى إن كانت السلطة لا تتحكم مباشرة بالإنتاج فحركة السوق مرتبطة بذلك وخاضعة للقرار السياسي، فلا يمكن أن يأتي أحد المنتجين ويضع إعلان في قناة فضائية تعتبر معارضة لبلدة ولا يستطيع الفنان أن يعمل على إنتاج مسلسل أو فيلم مخالف للسياسة. في نهاية المطاف، نحن محكومون برأس المال المرتبط بالسلطة. وهذا يجعلني أعود لفكرة أن دولة الاحتلال مهتمة بالخليج، فأنا أرى أن هذا هو أحد الأسباب المهمة فمعظم الإنتاج العربي مرتبط بأموال الخليج، بالتالي إذا تمت السيطرة على الدول التي يسعى الاحتلال لإقامة علاقة معها، هذا يعني تحكما أكبر في الفضاءات وبالتالي تحلل إسرائيل سيطرتها من خلال القوة الناعمة. لا نستطيع اليوم التحدث عن إنتاج مستقل كما يحدث في هوليوود مثلا، لأن إنتاج كهذا يحتاج لظروف ليبرالية. للأسف نحن لدينا سوق ليبرالي دون وجود ليبرالية سياسية.

 

دور المثقفين والنخب العربية في الوقوف ضد التطبيع

 

محمد أمين لجميع الضيوف: ما المطلوب فعله من الصحافيين والكتاب والمثقفين؟

 

الأستاذ معن: من البديهي أن يكون الدور الأهم لهم هو الدور التنويري وتحديثي وحماية الذاكرة والوجدان العام ويحتاج حتى يقوم بهذا الأمر إلى بيئة ديمقراطية بها حرية. أتصور أن هذا الأمر ممكن وغير مستحيل.

 

عبدالحكيم: قرأت منذ بضعة أيام حوار مباشر مع أحد الصحافيين و الناشطين السعوديين والذي بشر بأن السنة القادمة ستشهد عملا خليجيا إسرائيليا يصور داخل إسرائيل. إذا استطاعت إسرائيل أن تضع يدها على هذا الفضاء الإنتاجي أعتقد أنهم سيكونوا قد وضعوا يدهم على التوجه العام الشعبوي. أرى أن الفنانيين يتمنون وجود أدوات بين يديهم.

 

فراس: هناك العديد من المنتجات. كل ما يكتب على مواقع التواصل الاجتماعي يعتبر كمقاومة للأصوات المتجهة للتطبيع. وحتى نفهم هذا الصراع هناك صراعين، أحدهما صراع الرواية العربية الفلسطيني، والآخر صراع الرواية الصهيونية. دورنا هو أن نثبت الرواية الصحيحة وهي رواية قائمة على الحق و ليست مدعاة ولديها المشروعية والعدالة. أي شخص فينا يستطيع القيام بهذا الدور عن طريق كتابة منشور أو تغريدة. يستطيع أي شخص أن يمسك بهاتفه وأن يتحدث من زاوية في بيته وأن يرسلها. في النهاية روايتنا أقوى ونستطيع أن نثبتها دون النظر للأموال التي يصرفها الجانب الإسرائيلي على الانتاجات.

 

الأستاذ محمد أمين للدكتور شفيق: هل أنت قلق كعربي فلسطيني؟

 

لست قلقا من مستقبل الأمة العربية، فأنا على قناعة أن أمتنا تمتلك قوات هائلة. من جانبي أستطيع القول أنني رأيت هذه الطاقات عبر مراحل مختلفة في حياتي من مناضلين ومناضلات. فمثلا في الربيع العربي رأينا شباب آمنت بأن دولته لن تطلق النار عليه وأنه سيستطيع القيام بإصلاح حقيقي بواقع المساءلة والحكم والمشاركة. الطاقة الإيجابية للتغيير قائمة في الأمة ويسندها العمق العربي والإسلامي والحضارة والتاريخ، رغم واقع التجزئة والتفكك. وأعتقد أن المستقبل سيكشف الستار عن تجلي هذا. الطاقة قائمة ونرى البراعم في عدد من الحراكات السياسية.

 


منتدى ثقافي علمي ناطق بالعربية وهو مساحة نتشاركها جميعًا لنتحدث عما يجول في أذهاننا وما نتحدث فيه مع أصدقائنا في ما لا تتطرق له وسائل الإعلام، سواءً كانت فكرة جمعك حولها نقاش مع أصدقائك،.