منتدى التفكير العربي
كتاب "أتاتورك السيرة الذاتية لمؤسس تركيا الحديثة" تأليف أندرو مانغو(Andrew Mango) و ترجمة عمر سعيد الأيوبي يقع في (693صفحة) وهو صادر عن دائرة الثقافة والسياحة، مشروع كلمة في أبوظبي عام 2018م .
يتعرض الكتاب إلى جزء مهم جدا من تاريخ الدولة العثمانية اعتبار من حكم السلطان عبد الحميد الثاني حيث وقعت العديد من الأحداث خلال هذه الفترة غيرت وجه القارة إلى الآن. هذه الفترة هي الفترة التي ولد فيها من عرف مستقبلا بمؤسس تركيا الحديثة مصطفى الذي أضاف معلمه اسم (كمال) لاسمه نسبة للشاعر والمثقف الكبير (نامق كمال) ، وأضاف هو اسم (أتاتورك) لاسمه بعد أن أصبح رئيسا لتركيا و منحه المجلس الوطني الكبير لقب (غازي) فأصبح الغازي مصطفى كمال أتاتورك من مواليد سالونيك –الدولة العثمانية في 19 مايو 1881.
أطلق الأوروبيون على الدولة العثمانية خلال هذه الفترة اسم (رجل أوروبا المريض) لما أصابها من علل التفكك، والاضمحلال، وانتشار الفتن، والاقتتال الداخلي، وكثرة الهزائم. و يؤرخ الكتاب لسيرة مصطفى كمال أتاتورك من خلال تاريخ الدولة العثمانية حيث صنعت الأحداث التي عاصرها شخصيته.
وفقا للكتاب فقد نشأ أتاتورك محبا للعسكرية حريصا على اثراء خبراته فيها بشكل كبير، وقد ساهمت مشاركته في العديد من الحملات العسكرية وأهمها قيادة الجيش السابع في سورية وفلسطين في صقل مواهبه القتالية والقيادية ما لفت أنظار القادة العسكريين إليه وأوجد له شعبية بين الجنود. وعندما انطلقت الثورة العربية الكبرى جنوب الدولة العثمانية في حزيران/يونيو 1916 كان أتاتورك يقاتل الروس في شرق الأناضول والقوقاز بصفته قائدا للفيلق (السادس عشر) حيث حاز اثر ذلك على رتبة أميرالاي(عميد) ومن ثم انتقل إلى سوريا عام 1917م لقيادة الجيش السابع لكنه ما لبث أن عاد إلى إسطنبول بعد ذلك بوقت قصير . وفي عام 1918م عاد مجددا إلى سوريا وخاض حروبا متواصلة مع الانجليز في سوريا وفلسطين حتى انتهت الحرب العالمية الأولى في هذا العام بسيطرة بريطانيا على هذه المناطق.
انتسب مصطفى كمال أتاتورك إلى جمعية الاتحاد والترقي وشق طريقه خلالها بسرعة بسبب ما حظي به من رتب عسكرية مكافأة على انجازاته. وفي عام 1919م ابتعد أتاتورك عن الجيش واتخذ من أنقرة معقلا له وبدأ حروب الاستقلال وفي عام 1920م انتخب رئيسا للمجلس الوطني الكبير(مجلس النواب) حيث بدأت معالم مشروعه تظهر بعد أن حقق انتصارات كبيرة على الأرمن وعقد مهادنة مع الروس في 1921م، وحطم القوات اليونانية في معركة (سقاريا) في نفس العام، ومن ثم قام بتشكيل الجيش التركي الحديث وحصل على رتبة مشير وحمل لقب (الغازي) من المجلس الوطني الكبير، وفي عام 1924 انتهي الوجود الشكلي للأسرة الحاكمة العثمانية في اسطنبول وألغيت الخلافة بطرد رموزها من العاصمة القديمة وهروب بعضهم، وحل مصطفى كمال وأتابعه محلهم مباشرة مفوتين الفرصة على باقي المنافسين.
بدأت ملامح فكر (أتاتورك ) تظهر بشكل جلي اعتبار من عام 1926م من خلال ترجمته على أرض الواقع على شكل جملة من القرارات التي غيرت وجه تركيا التقليدي المحافظ إلى دولة تحاكي الدول الأوروبية شكليا ناقلة تركيا من كونها دولة إسلامية إلى دولة علمانية بطابع أوروبي حيث بدأ بسن القوانين الغربية فساوى شكليا بين الرجل والمرأة ، ومن ثم حل الجماعات الدينية الصوفية، وأغلق المدارس الدينية، كما أغلق التكايا الصوفية، وأقام تمثالا له وسط اسطنبول،وأقر القبعة في اللباس بدلا من العمامة والطربوش، وألغى اعتبار الاسلام دينا رسما للدولة واعتمد اللغة التركية بالحروف اللاتينية حتى في الوعظ الديني وأنشأ مؤسسة (أتاتورك العالمية للغة والثقافة والتاريخ التركي) كما جعل الأذان بالتركية ومنع اللباس الديني لغير رجال المؤسسة الدينية وجعل الاجازة الرسمية للدولة يوم الأحد. ومع نهاية حكم (أتاتورك) أصبحت تركيا غريبة عن هويتها التي شكلتها على مدار (400 سنة) من انشاء الخلافة العثمانية. وفي عام 1938م توفى مصطفى كمال أتاتورك نتيجة لمرض عضال تاركا ارثا بقي محل جدل حتى الآن بين هوية تركيا الإسلامية ووجهها الأوروبي.
