أعمدة الحكمة السبعة
كتاب أعمدة الحكمة السبعة ( Seven Pillars of Wisdom) )والذي أخذ عنوانه من (سِفر الأمثال 9 : 1 ) : “الحكمة بَنَت بيتها, ووضعت أعمدتها السبعة”، لكاتبه (توماس ادوارد لورانس) والمعروف في الشرق الأوسط (بلورانس العرب) ، صدر في عام 1922، و يقدم سيرة ذاتية لصاحبها بقالب تاريخي على الرغم من أن (لورانس) نفى أن يكون الكتاب بمثابة مذكراته الشخصية إلا أنه في النهاية يسرد أحداثا واجهها مثلت تأريخا لحقبة من حياته ومن حياة منطقة شهدت مخاضا عسيرا أسفر عن تداعيات كبيرة لاتزال المنطقة تعيشها.
تكمن أهمية هذا الكتاب في عدة جوانب منها أنه وكما أسلفنا يؤرخ لمرحلة مفصلية عاشتها المنطقة والتي شهدت ما عرف بالثورة العربية الكبرى إبان الحرب العالمية الأولى(1916-1918) وكانت نتيجتها هزيمة الألمان والأتراك وانهيار الدولة العثمانية نهائيا، كما أنه أسهب في وصف شخصيات كان لها دور مركزي في الأحداث بالإضافة إلى ذكر بعض القبائل وأفخاذها، وعادات، وتقاليد، وقيم، ومعتقدات العرب الذين زار مناطقهم من بدوي وحضر، وقدم وصفا دقيقا لهذه المناطق كما ذكر العديد من الخطط العسكرية ، وبعد كل هذا فإن الكتاب يعكس نظرة بعض الغربيين للعرب والتي تفسر النهج الذي اتبعه الغرب في التعاطي مع قضايا العرب بعد ذلك. ومما لاشك فيه أن الكتاب الذي مثل مصدرا أساسيا لمادة فلم أعد عن حياة (لورانس العرب ) وحمل اسمه أثار الكثير من الجدل بين منتقد له باعتباره شوه صورة الانسان العربي الذي يقطن البادية بوصفه انسانا ساذجا يمكن خداعه بسهولة، جشع، و خبيث لا يمكن الوثوق به، متخلف ومسكون بالأساطير والخزعبلات وبين من اعتبره انحاز له بإبراز صفات الكرم والنخوة والمروءة والشجاعة لديه.
يتحدث (لورانس) في هذا الكتاب بإسهاب وبشكل مبالغ فيه عن دوره في اشعال الثورة العربية الكبرى وكيف حول القبائل العربية من فرقاء متصارعين إلى حلفاء ضمن ثورة كبرى كانت نتيجة لاستبداد الأتراك واحتقارهم للعرب ونهب ثروات بلادهم ، وكيف تعاون مع فيصل ابن الشريف حسين في إدارة المعركة وصولا إلى دخول الشام ذاكرا بعض المواقف التي لفتته والتي عبر من خلالها عن توصيفه للشخص البدوي فقد ذكر أنه عندما أراد هو والملك فيصل السفر من مكة إلى الشام أحضر الانجليز لفيصل سيارة فارهة وقد مهدوا لها الطريق من مكة إلى دمشق لكن فيصل كرجل بدوي لم يرق له ركوب السيارة وشعر بالإجهاد والضيق ما دفعه إلى أن يتحول لركوب ناقته طلبا للراحة وقد ذكر (لورانس) العديد من المواقف التي تعكس تعلق العرب بابلهم وحبهم لها، كما ذكر كيف كان البدو المقاتلين يختبئون داخل (عبيهم) عندما تمر الطائرة فوق رؤوسهم معتقدين أن هذا يغني عنهم من قصف الطائرة شيئا وكيف أنه تدخل ليحل نزاع كاد أن ينشب بين قبيلتين من كبرى القبائل التي كانت تشارك في الحرب على الاتراك بسبب قتل أحد أفراد قبيلة رجلا من قبيلة أخرى فتدخل هو بقتل القاتل وانتهى الأمر مستغربا من موافقة رجال قبيلة القاتل أن يقتل ابنهم رجل غريب على أن يقتله رجل من قبيلة أخرى منافسه، كما أنه أشار إلى بعض العادات والتقاليد السائدة لدى البدو فذكر كيف أن البدو يحتقرون المزارعين واصفين اياهم (بالفلاحين) وكيف أن البدو يتبركون بالتمائم والقبور قبل اقدامهم على القتال، كما أسهب في وصف شجاعة البدو وعدم رهبتهم للموت وكذلك ما يتصفون به من مروءة وذلك بعدم قتلهم الأسير أو المصاب أو من لا يملك سلاحا يدافع فيه عن نفسه وكذلك كتب عن كرمهم واحترامهم للضيف.
لقد حاول (لورانس) أن يندمج في المجتمعات البدوية حتى يتمكن من توقع ما يفكرون به بغية تفكيك شخصيتهم فهو في المقام الأول رجل استخبارات أرسل لمهمة تتعلق بخدمة بلده ولذلك لبس ثياب البدو وتجول حافيا على رمال الصحراء الحارقة كما كانوا يفعلون وتحدث بلهجتهم حتى بلغ به الأمر أن يعمل مترجما لمعلمته الدمشقية التي لم تكن تفهم كلام البدو حيث كان يفسر لها كلامهم عندما قابلوها مدعيا أنه لم يتعلم من معلمته الدمشقية من العربية ما تعلمه من عرب الصحراء.
تجنب (لورنس) في كتابه الحديث عن نكث الإمبراطورية العظمى لعهودها للعرب بإقامة دولة مستقلة لهم كما تجنب الحديث بإنصاف عن اتفاقية سايكس بيكو وبالتالي فالكتاب يروي الأحداث من وجهة نظر بريطانية.