في لقاء حصري لخالد مشعل الرئيس السابق للمكتب السياسي لحركة المقاومة الاسلامية (حماس) مع منتدى التفكير العربي تحت عنوان (( الفلسطينيون وسبل مواجهة صفقة القرن ومشروع الضم)) وخلال المقابلة التي حاوره فيها مدير منتدى التفكير العربي الأستاذ محمد أمين يوم الأربعاء الموافق 1/7/2020م والذي بثته كل من قناة الجزيرة مباشر ومنصاتها ومنصات منتدى التفكير العربي، تناولت المقابلة المحاور التالية:
توصيف الوضع الفلسطيني الراهن
أشار مشعل في معرض تشخيصه للوضع الفلسطيني الراهن إلى أنه وضع بقدر ما يحمل في ثناياه من تحديات ومخاطر يحمل في الوقت نفسه فرصا حقيقية واعدة، ملخصا التحديات في نقاط ثلاث أولها: تسارع المشاريع الاسرائيلية الأمريكية الرامية لتصفية القضية الفلسطينية في سياق ما بات يعرف (بصفقة القرن) ، وذلك من خلال فرض وقائع جديدة مثل: الاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية لها، وتشريع الاستيطان، وضم مزيدا من الأراضي المحتلة بحجة أمن اسرائيل، و أما التحدي الثاني فيتمثل في غياب الفعل الفلسطيني المؤثر لمواجهة هذه الاجراءات في ظل الانقسام الفلسطيني الراهن وذلك بالتزامن مع غياب القيادة الفلسطينية الجامعة التي تملك الرؤية، والقدرة، والجاهزية للمخاطرة من أجل القضية الفلسطينية، وتحد ثالث: متمثل بالاختلال الذي أصاب الحاضنة العربية والاسلامية سواء بانكفائها على ذاتها وانشغالها بقضاياها المحلية أو باختراق اسرائيل لبعض الأنظمة العربية بالتطبيع معها.
أما فيما يتعلق بالفرص المتاحة فقد أوضح مشعل أن الفرص المتاحة تتمثل في توحيد الشعب الفلسطيني وانهاء الانقسام، واحياء المقاومة والاشتباك الحقيقي مع العدو الصهيوني واستنزافه، واعادة تصويب مسار القضية الفلسطينية وتقديمها على أنها مشروع تحرر وطني بعيدا عن أكذوبة التسوية، وملاحقة العدو الصهيوني في كل المحافل الدولية سيما أن الاجراءات التي نفذتها الحكومة الاسرائيلية متكئة فيها على الدعم الأمريكي لم يتوفر لها الغطاء الفلسطيني كما أنها لاتلقى قبولا من المجتمع الدولي الذي بدأ يتململ من الوقاحة الاسرائيلية بعد أن تكشفت له بعض الحقائق وبدأ يتشكل رأي عام دولي مؤيد للحق الفلسطيني.
مشروع ضم أجزاء من أراضي الضفة الغربية المحتلة وخطورته على القضية الفلسطينية
بين مشعل أن ضم جزء من أراضي الضفة الغربية المحتلة والتي تشمل المستعمرات الكبرى بالاضافة إلى الغور الفلسطيني فضلا عن الغور الأردني يأتي في سياق تطبيق مابات يعرف بصفقة القرن التي اقترحتها الإدارة الأمريكية الحالية وأن خطورة هذه العملية تكمن في أنها تشرعن قضم الأرض الفلسطينية بحجة الحفاظ على أمن اسرائيل، ومن شأنها حصر الفلسطينين في جغرافيا ضيقة غير متصلة داخليا ولا خارجيا إذ تمثل المساحة المستهدفة بالضم(15%)من مجمل مساحة الضفة الغربية و(50%) من الأرض الفلسطينية الصالحة للزراعة والتي تحتوي أبارا ارتوازية تعد أحد المصادر الرئيسة للمياه، ولذلك فإن هذا المشروع يأتي في مقدمة الأولويات الفلسطينية في الوقت الراهن دونما أن يؤثر على القضايا الرئيسة المتمثلة في إقامة الدولة، وعاصمتها القدس، وعودة اللاجئين الفلسطينين، واطلاق سراح الأسرى الفلسطينين في السجون الاسرائيلية.
كما بين خالد مشعل أن لكل من الادارة الأمريكية والاسرائيلية أغراضه الخاصة من تنفيذ عملية الضم ففيما يسعى الرئيس الأمريكي للاستحواذ على دعم اللوبي الصهيوني في معركته الانتخابية القادمة باعتباره الداعم الكبير لاسرائيل فإن رئيس الوزراء الاسرائيلي يستغل هذه العملية لخلط الأوراق والهروب إلى الأمام من محاكمته على اثر اتهامه بقضايا فساد هذا فضلا عن محاولته انجاز هذه العملية قبل موعد الانتخابات الأمريكية التي يخشى فيها من عدم نجاح حليفه ترامب ما يمثل خسارة كبيرة لاسرائيل، كما يخشى تداعيات خلافاته مع غانتس.
وحذر "مشعل" من أن يعتبر الفلسطينيون أنهم أفشلو هذه العملية نتيجة اعلان الحكومة الاسرائيلية تأجيل الضم الذي كان مزمعا تنفيذه مطلع يوليو/تموز الجاري إلى سبتمبر القادم مأكدا على أن عملية التأجيل هي اجراء تكتيكي من قبل الحكومة الاسرائيلية بهدف كسب الوقت فضلا عن تفكيك الموقف العربي والدولي الرافض لعملية الضم سيما الموقف الأردني الذي يسعون لتحيده نهائيا بادعاء تأجيل ضم الغور الأردني هذا فضلا عن تخدير الشعب الفلسطيني.
تغير موقف بعض الأنظمة العربية من القضية الفلسطينية
وفي اجابته حول تغير موقف بعض الأنظمة العربية من القضية الفلسطينية بشكل عام ومن حركة حماس بشكل خاص أوضح مشعل أن هنالك اعتقاد لدى بعض الأنظمة العربية أن بامكانها تحقيق مكاسب خاصة من خلال التماهي مع المشروع الأمريكي في فلسطين والترويج للتطبيع مع اسرائيل مأكدا على خطئ هذا الاعتقاد وعلى أن المصلحة تقتضي دعم القضية الفلسطينية مشيرا في الوقت نفسه إلى أن حركة المقاومة الاسلامية حماس تلقت سابقا الدعم من العديد من الأنظمة العربية والاسلامية سرا وأنها بالرغم من الدعم الذي يقدم لها إلا أنها تحافظ على استقلالية قرارها فلم ترتهن لأي نظام.
كما أكد على عدم تدخل حماس في الشأن الداخلي لأي دولة وأنها تحترم خصوصية الدول وأنظمتها وقوانينها وحتى أعرافها المعمول بها مشيرا إلى أن بوصلة حماس موجهة باتجاه العدو الصهيوني لاتحيد عن هذا.
المصالحة الفلسطينية
وعن السؤال حول المصالحة الفلسطينية والمربع الذي تقف عنده في الوقت الراهن والمسؤول عن تعطيلها أبدى "مشعل" عدم رغبته في نكء الجراح إلا أنه عزا استمرار الانقسام الفلسطيني لسببين أول هذه الأسباب: هي اسرائيل وما تمارسه من ضغوط لافشال أي محاولة لرأب الصدع الفلسطيني، وثاني هذه الأسباب هي رغبة البعض بالتفرد بالقرار الفلسطيني .
وبخصوص الدور المصري الداعم للمصالحة الفلسطينية أجاب مشعل بأنه متوقف حاليا وان كانت القناعة موجودة لدى الجميع بضرورة انهاء الانقسام منوها إلى أنه تم توقيع العديد من الاتفاقات بهذا الشأن وكل ما هو مطلوب الآن تطبيق هذه الاتفاقات سيما في هذا الوقت الذي تشتد فيه التحديات التي تفرضها صفقة القرن.
الخيارات الفلسطينية للرد على صفقة القرن وتبعاتعها
في معرض اجابته عن خيار حل السلطة الفلسطينية كأحد الخيارات المطروحة لمجابهة صفقة القرن وعملية الضم أشار "مشعل" إلى أن هذا الخيار يمكن أن يكون فاعلا في حال توافق القوى الفلسطينية عليه بما يضمن تجنيب المواطن الفلسطيني تبعاته السلبية منوها إلى أنه كان من الأجدر بالسلطة الفلسطينية أن تعمل على توفير الحياة الكريمة للمواطنين الفلسطينين كشعب يرزح تحت الاحتلال لا أن يفسح لهم الطريق للغرق في الديون لعيش حياة فارهة لاتنسجم وحقيقة وضعه مشيرا إلى أن هناك خيار آخر يمكن طرحه بهذا الصدد وهو تغير وظيفة السلطة الفلسطينية بحيث تصبح رافعة للمقاومة الفلسطينية ضاربا مثالا على ذلك بالحكومة الفلسطينية في غزة عام 2016 عندما مثلت الحاضنة لقوى المقاومة عند اختطافها للجندي الاسرائيلي(شاليط).
كما عقب مشعل على قرار السلطة الفلسطينية بوقف التنسيق الأمني مع اسرائيل والتحلل من كافة الاتفاقيات الموقعة معها بأنهابقية قرارات شكلية تفتقر للفعل المتمثل بالاشتباك مع العدو الاسرائيلي واطلاق يد المقاومة في الضفة الغربية لكنس الاحتلال الاسرائيلي منها.رافضا في الوقت نفسه اختزال دور السلطة الفلسطينية بوظيفة جمع القمامة حسب ما ورد على لسان أحد مسؤولي السلطة.
ولم يستبعد "مشعل" قيام انتفاضة فلسطينية ثالثة مشيدا بالشعب الفلسطيني الجبار الذي عود العالم على اجتراح المعجزات ومستشهدا بقول الشهيد (ياسر عرفات) شعب الجبارين.
أما فيما يتعلق بعملية التسوية وامكانية احراز تقدم فيها في حال تغير الوسيط أو افراز الانتخابات الأمريكية لرئيس أقل انحيازا لاسرائيل أشار مشعل إلى أن هذا المسار ثبت فشله وأن أي محاولة لاعادة انتاجه سواء بالبحث عن راعي جديد للسلام المزعوم أو بانتظار رئيس أمريكي يغير معادلة الانحياز لاسرائيل هو اجترار للفشل واعادة تدوير للعبثية التي تمت خلال السنوات السابقة.
وحول امكانية تطبيق صفقة القرن في الوقت الراهن فقد بين "مشعل" أن من قام باعداد صفقة القرن تفاجأ باجماع الشعب الفلسطيني بكل قواه على رفضها وكذلك معظم الأنظمة العربية والاسلامية بغض النظر عن بعض الاختراق المحدود وغير المعلن هنا وهناك ولذلك بدأ العمل على تطبيق الصفقة بالتدريج ومن خلال فرض الأمر الواقع وازاء ذلك ما هو مطلوب من القوى الفلسطينية هو عدم الاستسلام لهذه الاجراءات ومكافحتها ورفضها وافقادها للشرعية.
المسار الوطني الفلسطيني
وعند سؤال مشعل حول وجود مسار ثالث يمكن للشعب الفلسطيني في مسيرة التحرر الوطني أن يسلكه بعد تعثر المسارين السابقين : مسار التفاوض والحل السلمي، ومسار المقاومة في ضوء اختلال موازين القوى وحصار المقاومة وعزلها في غزة وتجريفها في الضفة المحتلة. أجاب بأنه يرفض أي مقاربة بين المسارين (لايستويان مثلا) : فمسار التسوية خاطئ في أساسه وهو لا يحظى باجماع فلسطيني في حين تجتمع جماهير الشعب الفلسطيني على مسار المقاومة الذي أثبت فعاليته فعلى الرغم من الحصار المفروض على المقاومة الفلسطينية في غزة إلا أنها استطاعت أن تمرغ أنف الاحتلال بالوحل عند مواجهته، كما أنها أثبتت فعاليتها في ردع الجيش الاسرائيلي فقد استطاعت المقاومة بابداعاتها أن تتغلب على الحصار وأن تحفر في الصخر لتطوير قدراتها القتالية مشيدا بالصواريخ التي أطلقتها المقاومة من غزة باتجاه اسرائيل مؤخرا للتعبير عن رفض الضم و عن جاهزية المقاومة للرد على ذلك.
وعليه فان ما يفترض أن يتم هو تقوية المقاومة وتعزيزها لا البحث عن بديل عنها مشيرا إلى أنه لم تكن موازين القوى في يوم من الأيام لصالح الشعوب الثائرة ما خلق تحد أفضى إلى انتصار حركات التحرر الوطني بقدر ايمانها بقضيتها .
المشروع الوطني الفلسطيني المستقبلي
قدم خالد مشعل خلال اللقاء باعتباره أحد القيادات الفلسطينية مجموعة من المقترحات يمكن اعتبارها مرتكزات لمشروع تحرر وطني فلسطيني جامع تتلخص فيما يلي:
أولا: اعادة تعريف الثوابت والحقوق الوطنية الفلسطينة بما يضمن اجماع الكل الفلسطيني عليها والحيلولة دون التنازل عن أي منها.
ثانيا: اعادة بناء المرجعية الوطنية الفلسطينية ممثلة بمنظمة التحرير الفلسطينية بحيث تمثل جميع أبناء الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج.
ثالثا: تبني برنامج نضالي ينطلق من كون الشعب الفلسطيني واقع تحت الاحتلال بحيث يشمل هذا البرنامج كل أشكال النظال وعلى رأسها النضال المسلح.
مستقبل الصراع الفلسطيني الاسرائيل ورسائل إلى الشعب الفلسطيني والرئيس محمود عباس
في معرض اجابة خالد مشعل في ختام المقابلة عن سؤال حول ما تغير بعد مرور (23سنة) على محاولة اغتياله عام (1997م) في عمان من قبل الموساد الاسرائيلي، العملية التي أمر بتنفيذها (بنيامين نتنياهو) الذي كان على رأس السلطة وقتها في اسرائيل سيما أنهما لايزالان في الميدان أشار "مشعل" إلى أن الصراع مع العدو الصهيوني ليس صراعا شخصيا وانما هو مطالبة بحق مستلب للشعب الفلسطيني معربا عن تفاؤله بتغير المعادلة لصالح الشعب الفلسطيني بغض النظر عن المظاهر الشكلية لقوة الكيان الاسرائيلي، و مبرهنا على هذا بأن المشروع الاسرائيلي في انكماش سواء بالانسحاب من غزة من طرف واحد في عهد شارون أو بالانحصار خلف جدار الفصل العنصري الذي أقاموه أو بعدم قدرتهم على تحقيق أهدافهم خلال العدوان على غزة كما أن موقف المجتمع الدولي آخذ بالتغير لصالح القضية الفلسطينية بفضل الصمود الفلسطيني والذي كشف الوجه القبيح للعنصرية الصهيونية.
وأما بخصوص الرسائل التي يوجهها للشعب الفلسطيني ولقيادة منظمة التحرير الفلسطينية فقد حث الشعب الفلسطيني بكل أطيافه على الاصطفاف خلف المقاومة ودعمها بكل السبل الممكنة والالتفاف حول مشروع التحرير الوطني الفلسطيني داعيا محمود عباس إلى الإقدام على خطوات أكثر جرأة في هذه المرحلة الحساسة حيث لم يتبقى في هذا العمر ما يخشى عليه.