لكم نحن بحاجة لرؤية صورتنا في عيون الآخرين بعيدا عن التزييف والنفاق والتجريح وهذا بالضبط هو ما حاول فعله (نوبواكي نوتوهارا) في كتابه "العرب ... وجهة نظر يابانية" والصادر عن دار الجمل سنة 2003 حيث عاش الكاتب بين العرب ما يصل إلى 40 عاما تعلم لغتهم وتنقل بين عدد من بلدانهم وسكن مدنهم وقراهم وبواديهم.
يقع الكتاب في 144 صفحة من القطع الصغير موزعا على الأبواب التالية:
- مقدمة
- مدخل
- ثقافة الأنا وثقافة الآخر
- تجارب وأفكار :كارثة القمع وبلوى عدم الشعور بالمسؤولية
- القضية الفلسطينية( خروج الايتوس)
- ما تعلمته من ثقافة البدو
- عالم ابراهيم الكوني
- عبد اللطيف اللعبي : الكتابة والقمع والحرية
- يوسف إدريس : الطريق إلى معرفة المجتمع في مصر
- الملحق والخاتمة
تناول الكاتب في كتابه جوانب عديدة من حياة المجتمع العربي مثل : السياسة ، و المدرسة ، و الأسرة ، و العلاقات الاجتماعية .. موضحا هدفه من هذا في قوله: " باختصار أريد أن أقول للقارئ العربي رأياً في بعض مسائله كما أراها من الخارج كأي أجنبي عاش في البلدان العربية وقرأ الأدب العربي واهتم بالحياة اليومية في المدينة والريف والبادية ". مستمدا شرعيته في هذا مما تكون لديه من فهم عن المجتمعات العربية وقد بين ذلك في مقدمة الكتاب حيث قال: " أربعون عاما من عمري هي مدخلي إلى هذا الكتاب بدأتها طالبا في قسم الدراسات العربية بجامعة طوكيو للدراسات الأجنبية ثم مدرسا للأدب العربي المعاصر في الجامعة نفسها، أربعون عاما وأنا أسافر إلى العواصم العربية والأرياف والبوادي أرى وأتأمل وأكتب انطباعاتي للقارئ الياباني، أربعون عاما وأنا أتابع الرواية العربية فأتعلم وأترجم وأتحدث للناس هنا في اليابان. قابلت كتابا عربا في البلدان العربية كلها ولي أصدقاء كثيرون أحبهم وأحترمهم وأعتز بصداقتهم... ...أقمت مع الفلاحين في ريف مصر، ومع البدو في بادية الشام، وهناك تعلمت عميقا دروسا في الحياة والثقافة وحوار الشعوب. أربعون عاما تدفعني دفعا لأقول بعض الأفكار والانطباعات عن الشخصية العربية المعاصرة...
لقد عرض المؤلف جوانب الشخصية العربية وسلبياتها حسب فهمه ودراسته للمجتمع العربي. مؤكدا أن ما توصل إليه من قناعات وآراء كانت وليدة تجربته الذاتية وليس تأثرا بأفكار وقوالب سابقة، حيث يتطرق إلى بعض مشاهداته مع تحليلاته الشخصية عن المجتمع العربي من وجهة نظره كياباني. عاقدا مقارنات بين الدول العربية وبين اليابان من مثل قوله:
"عندما انتهت الحرب العالمية الثانية، كنت في عامي الخامس، ولقد رأيت اليابان مهزومة وعشت مع أسرتي نواجه مصيرنا بلا أي عون. كنا لا نملك شيئاً أمام الجوع والحرمان وظروف الطقس وغيرها. ولقد رافقت عملية إعادة البناء، كنت أعيش مع عائلتي في طوكيو وطوكيو هدمت بالكامل حياً حياً شارعاً شارعاً. في الأيام الأخيرة من الحرب. عرفت هذا كله وعرفت أيضاً نتائج مسيرة تصحيح الأخطاء وأنا نفسي استمتعت بثمار النهوض الاقتصادي الياباني. بعدئذ سافرت إلى البلدان العربية وكنت قد تجاوزت الثلاثين من عمري ورأيت وقرأت وتحدثت إلى الناس في كل مكان نزلت فيه. لقد عاينت بنفسي غياب العدالة الاجتماعية وتهميش المواطن وإذلاله وانتشار القمع بشكل لا يليق بالإنسان وغياب أنواع الحرية كحرية الرأي والمعتقد والسلوك وغيرها. كما عرفت عن قرب كيف يضحي المجتمع بالأفراد الموهوبين والأفراد المخلصين، ورأيت كيف يغلب على سلوك الناس عدم الشعور بالمسؤولية تجاه المجتمع وتجاه الوطن ولذلك كانت ترافقني أسئلة بسيطة وصعبة: لماذا لا يستفيد العرب من تجاربهم؟ لماذا لا ينتقد العرب أخطاءهم؟ لماذا يكرر العرب الأخطاء نفسها؟ نحن نعرف أن تصحيح الأخطاء يحتاج إلى وقت قصير أو طويل. فلكل شيء وقت ولكن السؤال هو: كم يحتاج العرب من الوقت لكي يستفيدوا من تجاربهم ويصححوا أخطاءهم، ويضعوا أنفسهم على الطريق السليم؟!
ويمكن إيراد ما يلي كأهم الملاحظات والأفكار التي تضمنها الكتاب:
- الحكومة لا تعامل الناس بجدية، بل تسخر منهم وتضحك عليهم.
- الشعور بالاختناق والتوتر سمة عامة للمجتمعات العربية. توتر شديد ونظرات عدوانية تملأ الشوارع.
- في مجتمع كمجتمعنا -المجتمع الياباني- نضيف حقائق جديدة، بينما يكتفي العربي باستعادة الحقائق التي اكتشفها في الماضي البعيد.
- في العالم العربي لا يعلمون شيئا إلا الدين ولكنهم غارقون في الفساد.
- مشكلة العرب أنهم يعتقدون أن الدين أعطاهم كل العلم! عرفت شخصا لمدة عشرين عاما، ولم يكن يقرأ إلا القرآن. بقي هو ذاته، ولم يتغير.
- لكي نفهم سلوك الإنسان العربي العادي، علينا أن ننتبه دوما لمفهومي الحلال والحرام.
- عقولنا في اليابان عاجزة عن فهم أن يمدح الكاتب السلطة أو أحد أفراد السلطة. هذا غير موجود لدينا على الإطلاق. نحن نستغرب ظاهرة مديح الحاكم، كما نستغرب رفع صوره في أوضاع مختلفة كأنه نجم سينمائي. باختصار، نحن لا نفهم علاقة الكتاب العرب بحكوماتهم.
- المجتمع العربي مشغول بفكرة النمط الواحد، على غرار الحاكم الواحد، لذلك يحاول الناس أن يوحدوا أفكارهم وملابسهم.
- على العرب أن يفهموا التجربة اليابانية، فسيطرة العسكر على الشعب هي سبب دخول البلاد في حروب مجنونة.
- في اليابان، قيادة الدولة المعاصرة أكبر من إمكانيات أي شخص مهما كان موهوبا أو قويا، وهذا المنصب يمارسه المسؤول مرة واحدة فقط، وهكذا نضمن عدم ظهور مركزية فردية مهيمنة. الحال مختلف عند العرب.
- السجناء السياسيون في البلدان العربية ضحوا من أجل الشعب، ولكن الشعب نفسه يضحي بأولئك الأفراد الشجعان، فلم نسمع عن مظاهرة أو إضراب أو احتجاج عام في أي بلد عربي من أجل قضية السجناء السياسيين.
- أن الناس في الوطن العربي يتصرفون مع قضية السجين السياسي على أنها قضية فردية وعلى أسرة السجين وحدها أن تواجه أعباءها! إن ذلك من أخطر مظاهر عدم الشعور بالمسؤولية.
- فهمت أن المواطن العربي يقرن بين الأملاك العامة والسلطة، وهو نفسيا في لا وعيه على الأقل ينتقم سلبيا من السلطة القمعية فيدمر وطنه بانتقامه.
- لا زال العرب يستخدمون القمع والتهديد والضرب خلال التعليم، ويسألون متى بدأ القمع؟!
- يخضع الراكب العربي لاضطهاد سائق التاكسي، فالسائق يختار الراكب حسب وجهته ولا يقل من لا يعجبه شكله. هذا لا يحدث في اليابان!
- الرجل العربي في البيت يلح على تعظيم قيمته، ورفعها إلى السيطرة والزعامة. وفي الحياة العامة، يتصرف وفق ميزاته وقدراته ونوع عمله. هذان الشكلان المتناقضان ينتج عنهما غالبا أنواع شتى من الرياء والخداع والنفاق.
- أستغرب لماذا تستعمل كلمة (ديمقراطية) كثيرا في العالم العربي!
- مفهوم الشرف والعار يسيطر على مفهوم الثقة في مجالات واسعة من الحياة العربية.
- العرب مورست عليهم العنصرية، ومع هذا فقد شعرت عميقا أنهم يمارسونها ضد بعضهم البعض.
- ضيافة العرب فريدة ممتازة.
- كتب عن فلسطين: "نحن في اليابان عرفنا القضية الفلسطينية عن طريق الغرب، بعدئذ فهمنا أن علينا أن نبحث عن الحقائق بأنفسنا. من المعلوم أن ضوضاء كبيرة أحاطت بالقضية الفلسطينية. بالنسبة لي كان غسان كنفاني هو الصوت الأقوى والأصفى الذي صدقته وسط تلك الضوضاء. شخصياً كنت في حيرة – ومثلي الكثير من اليابانيين – وبالمصادفة قرأت إنتاج غسان كنفاني القصصي، بعد تلك القراءة شعرت أنني أقف أمام القضية الفلسطينية).
- لماذا لا يستفيد العرب من تجاربهم؟ لماذا يكرر العرب أخطاءهم؟
- إن حل مشكلة ما، أو تجاوز جريمة ما لا يكون بإيجاد مشكلة جديدة، أو ارتكاب جريمة جديدة ... الجريمة امتحان كبير لعدالة البشر، ولوعيهم ومسؤوليتهم، وامتحان للكرامة والشرف والضمير في وقت واحد.
- كان علينا أن نعي قيمة النقد الذاتي جيدا قبل كل شيء و دون إنجاز النقد الذاتي بقوة لا نستطيع أن نجد الطريق لتصحيح الأخطاء
وفي الخاتمة طرح الكاتب السؤال التالي:
ماذا يفكر العرب أن يفعلوا في المستقبل ؟