التفكير الحر حق لكل مواطن عربي

دراسات مختارة

مآلات الانتقال السياسي في السودان بعد انفراد المكون العسكري في السلطة

نشر المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات عبر موقعه دراسة تقدير موقف عن الوضع الراهن في السودان بعد سيطرة المكون العسكري ممثلا في البرهان على السلطة حيث تناولت الدراسة الموقف العام من أربعة جوانب هي : انفراد العسكر بالحكم ، ومواقف القوى السياسية من الانقلاب، ومواقف القوى الخارجية، ووساطة الداخل والخارج.

في الجانب المتعلق بانفراد العسكر بالحكم أشارت الدراسة إلى أن التناقض بين القوى المدنية والقوى العسكرية كان واضحا منذ البداية فلم يكن هنالك انسجام حقيقي بين المكون العسكري ممثلا بالقوات المسلحة والدعم السريع من جهة وبين المكون المدني ممثلا بالأحزاب السياسية المدنية من جهة أخرى واللذان يتشكل منهما مجلس السيادة السوداني وهو الحكومة التي تدير البلاد بعد توقيع اتفاقية اقتسام السلطة وإدارة المرحلة الانتقالية في آب /أغسطس 2019 وذلك بعد الاطاحة بالرئيس السابق عمر البشير. 

وتوضح الدراسة أن معالم التصدع في مجلس السيادة كان واضحا منذ البداية حيث أظهر العسكريون تمسكا واضحا بالسلطة في حين تنازعت الأحزاب المدنية وانسحب بعضها وانقسم تجمع المهنيين الذي أدى دورا هاما في الثورة، وقد عمل المكون العسكري على تضخيم دوره على حساب المكون المدني وذلك من خلال الاطلاع بملفات لا تندرج ضمن مسؤوليته أو صلاحياته مثل مبادرة التطبيع مع إسرائيل، وإقامة علاقات مع دول وقوى مناهضة للديمقراطية في المنطقة، وقيادة التفاوض مع الحركات المسلحة ، والاستئثار بالعلاقات الخارجية المتصلة بالشؤون العسكرية.  

وتبين الدراسة بأن المكون العسكري استغل الأزمة الناجمة عن تمرد لواء في سلاح المدرعات في أيلول /سبتمبر 2021،  ونفذ انقلابا أطاح فيه بشركائه المدنيين في السلطة.

  وتتدرج الدراسة في عرض الخطوات التالية لهذا الإجراء والذي هدفت في النهاية إلى تمكين العسكريين من السيطرة الكاملة على مفاصل الحكم في الدولة  مثل : حلّ مجلسَ الوزراء والسيادة، وتشكيل مجلس وزراء من كفاءات، وتعطيل العمل بمواد من الوثيقة الدستورية، هي المواد 11 و 12 و 15 و 16 ، التي تشير إلى تشكيل مجلسَ السيادة والوزراء واختصاصاتهما. و المادة 24 / 3 التي تشيرإلى المحاصصة السياسية في تكوين المجلس التشريعي حيث أعطت قوى إعلان الحرية والتغيير 67 في المئة من عضوية المجلس، والمادة 71 التي تشير إلى أنّ الوثيقة الدستورية استمدت أحكامها من الاتفاق بين المجلس العسكري وقوى إعلان الحرية والتغيير، والمادة 72 التي تشير إلى حلّ المجلس العسكري. وأعلن البرهان كذلك عن تجميد عمل لجنة إزالة التمكين ومراجعة عملها، وهي اللجنة الخاصة بتفكيك شبكات نظام الحكم السابق.

أما فيما يتعلق بمواقف القوى السياسية من الانقلاب فقد أوضحت الدراسة أن المجلس المركزي لقوى إعلان الحرية والتغيير رفض الانقلاب العسكري رفضا تاما وكذلك فعل تجمع المهنيين (جناح الأصم) ، والحزب الشيوعي ،أما قوى الحرية و التغير (مجموعة الميثاق الوطني) فقد أعلنت تأييدها لما قام به البرهان من إجراءات، وأما الشارع فقد عبر عن نفسه بالخروج في مظاهرات رافضة لانقلاب العسكر.

وفيما يتعلق بالقوى الخارجية فقد أشارت الدراسة إلى أن معظم الدول التي عبرت عن موقفها رفضت الانقلاب مثل : الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة والنرويج  كما بينت أن مجلس السلم والأمن الأفريقي علق مشاركة السودان في جميع نشاطاته إلى حين عودة الحكومة المدنية. وكذلك ضغطت الولايات المتحدة على كل من السعودية والإمارات اللتان تعدان من الداعمين الرئيسيين للمكون العسكري في السودان لإصدار بيان تحثانه فيه على إعادة المكون المدني للحكم، كما لم تغفل الدراسة الإشارة إلى موقف كل من مصر المؤيدة للبرهان وإلى الموقف الإسرائيلي الذي حاول التوسط بين المكونين العسكري والمدني بوصفها نقطة إجماع كلا الطرفين.

وفي المحور الخاص بالوساطة المبذولة بين المكون العسكري والمدني ففضلا عما تقدم من دور اسرائيل بهذا الشأن فقد أشارت الدراسة إلى الوساطة الداخلية والتي قادها محجوب محمد صلاح وإلى وساطات خارجية مثل وساطة الولايات المتحدة الأمريكية ممثلة في (جيفري فيلتمان)، ومبادرة جنوب السودان التي عبر عنها (ضيو مضوك) إضافة إلى وساطة الاتحاد الإفريقي .

وتخلص الدراسة إلى أنه من المستبعد أن يكون هدف المكون العسكري من الانقلاب هو الاستيلاء على الحكم لإدراكه تماما حجم التحديات التي سيواجهها والتي لن يكون قادرا على التعامل معها من مثل؛ العقوبات الدولية ، والقدرة على استثمار الانجازات التي تم تحقيقها سابقا كرفع العقوبات والإعفاء من الديون، والحصول على مساعدات وقروض من جهات مالية دولية هذا فضلا عن الصدام مع الشارع ، وإنما هدفه وفقا للدراسة هو الاتيان بمكون مدني ضعيف يمكن التحكم به بسهولة؛ وعليه تقدم الدراسة سيناريوهين لما ستؤول إليه الأمور، الأول: وهو رضوخ رئيس الوزراء السابق  حمدوك لمطالب العسكر والثاني وهو في حال رفض حمدوك هو  تكليف العسكر رئيس وزراء غير محسوب على أي توجه سياسي برئاسة الوزراء  بحيث يكون من السهل عليهم فرض إملاءاتهم عليه.   


منتدى ثقافي علمي ناطق بالعربية وهو مساحة نتشاركها جميعًا لنتحدث عما يجول في أذهاننا وما نتحدث فيه مع أصدقائنا في ما لا تتطرق له وسائل الإعلام، سواءً كانت فكرة جمعك حولها نقاش مع أصدقائك،.