التفكير الحر حق لكل مواطن عربي

كتب

الشرق الأوسط الجديد

كتاب الشرق الأوسط الجديد لرئيس الوزراء الإسرائيلي السابق شمعون بيريز والذي صدر عام 1992م أي عقب مؤتمر السلام بعامين ،وصدرت النسخة المترجمة منه عن دار الهلال في الأردن عام 1994م، وهو يقع في 230 صفحة من القطع الصغير بما يشبه الكتيب ؛ لخص فيه كاتبه استراتيجية إسرائيل لمرحلة مفاوضات السلام وما بعدها،  وعلى هذا الأساس يمكن تفسير الكثير فيما يخص اتفاقات أبراهام.

يتدرج بيريز في كتابه و عبر فصوله الأربعة عشر في رسم صورة لمنطقة الشرق الأوسط أو كما أسماه الشرق الأوسط الجديد تكون إسرائيل في القلب منه محركا وموجها وقائدا وذلك في سياق خطاب موجه باتجاهين ؛ الأول باتجاه الأنظمة العربية حيث يتحدث بكل استخفاف وعنجهية عن دور إسرائيل في ضمان أمن واستقرار المنطقة ومساهمتها في ازدهارها، و المجالات التي يمكن التعاون فيها والتي تصب في مصلحة استقرار الأنظمة.

وفي الاتجاه الآخر يخاطب الرأي العام الإسرائيلي حيث يحشد الحجج والبراهين في خطاب سافر لإقناع الإسرائيليين بأن إسرائيل يمكنها أن تحقق بالسلام ما لم تحققه بالحرب.

الفصل الأول والذي حمل عنوان (فجر السلام) تحدث فيه بيريز عن الحيثيات التي خلقت قناعة لدى الإسرائيليين والفلسطينيين بالاتجاه نحو السلام ، ولماذا قررت إسرائيل التعامل مع ياسر عرفات على وجه التحديد بعد أن كانت تنظر له كعدو لإسرائيل حيث قال:

"إذا ما اختفى العدو الأكبر الذي حاربناه طوال هذه السنوات، فمن سيحل محله؟ وهل يمكن أن تكون حركة حماس البديل الأفضل؟ وهل يترتب علينا التفاوض مع أصوليين؟ "

ثم يسترسل في الإجابة عن هذه الأسئلة بالقول: " وعليه فإن واقع الأحداث والظروف الإقليمية السائدة قادتنا إلى الخروج بنتيجة مؤداها أن من مصلحة إسرائيل القبول بدور للمنظمة على المسرح السياسي".

ثم ينتقل في حديثه إلى التنازلات التي اضطرت إسرائيل لتقديمها مقابل السلام ذاكرا الأسباب التي وقفت وراء هذه التنازلات من  ذلك على سبيل المثال الانسحاب من غزة التي اعتبرها بؤرة للمشاكل ومنطقة مكتظة بالسكان الفلسطينيين فضلا عن أنه  لايوجد من يرغب بهذه المنطقة من العالم بما في ذلك الدول العربية المجاورة لها.

ويختم بيريز الفصل الأول بحديثه عما حققته إسرائيل من مكتسبات مقابل هذه التنازلات البسيطة والتي عدد جزء بسيطا منها تاركا للإسرائيليين اكتشاف الجزء الأكبر بأنفسهم في المستقبل .

في الفصل الثاني والذي حمل عنوان (على مفترق طرق) تحدث بيريز عن ما اعتبره الخطوة الأهم في عملية السلام وهي الانتقال من الماضي إلى الحاضر أو كما قال: "الانتقال من الحرب والسلاح... إلى المعاهدات والاتفاقات الثنائية والمتعددة والتي تتجاوز حدود البلدان ذات الصلة وتغطي كافة المناطق التي تعتبر المدى الذي تصله الصواريخ القاتلة". ومن ثم عقد بيريز مقارنة بين خسائر الحرب ومكاسب السلام.

وضمن نفس الفصل كشف بيريز عن نواياه الخبيثة في سياق حديث تملق فيه الحضارة العربية الإسلامية بتعداد إسهاماتها العلمية والتي تلتقي فيها مع الحضارة الغربية ليحرف البوصلة  باتجاه عدو مشترك لكلا الحضارتين هو (الأصولية الدينية) حيث قال: "ما من أحد يستطيع أن يفهم الحضارة العربية على نحو كامل ما لم يأخذ في الحسبان ما أسهمت به الثقافة الإسلامية في العلوم المعاصرة والفلسفة، والرياضيات، والأدب، والفن، والتجارة ...أما الآن وفي ظل لجوء العديدين إلى الأصولية نشهد حركة إسلامية تسعى إلى مناهضة الفتح والثقافة الغربية وتعمل على التراجع عن التحديث والعصرنة وتدعو لاستخدام القوة لإقامة جمهورية إسلامية سلطوية قمعية على النمط الإيراني".  

ويسترسل فيقول:"  لقد ازداد التهديد الأصولي خطورة  في الفترة الأخيرة بامتلاك إيران القدرة النووية، والسؤال هو هل يمكن للمتطرفين الذين يعتقدون بأنهم يحملون مفاتيح السماء أن يتصرفوا بتعقل إذا ما امتلكوا السلاح النووي؟!

ومن ثم تحدث عن أن المتطرفين الإسلامين هم الأقدر على النجاح في الانتخابات ما أتيحت لهم الفرصة لذلك ضاربا مثالا على ذلك بانتخابات الجزائر و عازيا ذلك للانغلاق والرجعية التي تعيشها المجتمعات العربية .

أما في الفصل الثالث والذي حمل عنوان ( لا منتصر في الحرب) فقد تحدث فيه بيريز عن حتمية قبول العرب لإسرائيل في المنطقة حيث لا يمكنهم هزيمتها في ساحة المعركة وفي المقابل ضرورة تفاوض إسرائيل مع العرب للتوصل إلى السلام وإن قدمت بعض التنازلات حيث أنها  لن تتمكن من إملاء شروط السلام عليهم كما أنها لن تتمكن من العيش معزولة وسط محيط يعاديها.

 في الفصل الرابع من الكتاب والذي حمل عنوان(النظام الإقليمي) كتب بيريز :" إن الأصولية تشق طريقها سريعا وعميقا في كل بلد عربي في الشرق الأوسط مهددة بذلك السلام الإقليمي ناهيك عن استقرار حكومات بعينها ، وإن وسائل الإعلام الغربية هي واحدة من الأطراف المسؤولة عن هذا النمو ، بتوفير للمتطرفين شبكة اتصال فوق قومية ، مستثمرين بذلك التكنولوجيا التي يلهجون بازدرائها، ولما لم يكن هناك أي تشريع ديني يحظر استخدام وسائل الاتصال العامة، فإن الأصوليين قد تعلموا استخدام وسائل الإعلام بما يخدم أغراضهم" .

ويسترسل بيريز في هذا الفصل فيكتب تحت عنوان الأمن القومي :" إن السبيل الوحيد لضمان مستوى معقول من الأمن القومي في هذا العصر، عصر صواريخ الأرض-أرض والقدرات النووية، هو إقامة نظام إقليمي للرقابة والرصد وإذ نحث الخطى نحو القرن الواحد والعشرين، نجد أن مفهوم ((العمق الاستراتيجي)) لم يعد له معنى فالصواريخ بعيدة المدى وأسلحة الدمار الشامل قد حولت جبهة الداخل إلى جبهة أمامية".

وضمن مواصلته حرف البوصلة العربية والإسلامية باتجاه التطرف الإسلامي وإيران كتب بيريز في الفصل الخامس والذي جاء تحت عنوان (أسلوب جديد في التفكير وصولا للأساس المناسب للأمن والاستقرار ):"في الماضي كانت المشكلة الفلسطينية تشكل القضية الأساسية في الصراع العربي الإسرائيلي، وهذا الأمر لم يعد موجودا الآن ، فقد أصبحت القضية المركزية هي التهديد النووي ...ان الخطر الذي نواجهه اليوم هو مزيج من الأسلحة النووية والأيدولوجية المتطرفة ، ولمثل هذا النوع من المخاطر كما قلت وأكرر لا يوجد من حل عسكري مقبول...وعليه فإنه يتوجب علينا أن ندرك حقيقة أن العصر الحديث لا يوفر لنا وسائل دفاع معقولة أفضل من الترتيبات الإقليمية واسعة النطاق".

أما في الفصل السادس والذي عنون بـ (من اقتصاد الحرب إلى اقتصاد السلام) فقد كتب شمعون بيريز عن النفقات الضخمة للحرب والمتمثلة بنفقات شراء الأسلحة وخسائر الحرب وما كان يمكن لهذه الأموال أن تصنعه للمنطقة لو خصصت للاستثمار والبناء .

ويواصل بيريز حديثه في الفصل الثامن عن أنه كيف يمكن للدول التي حاربت بعضها سابقا أن تساعد بعضها بعضا من أجل مستقبل أفضل  مدللا على ذلك بما قدمته الولايات المتحدة الأمريكية من معونات لكل من اليابان والاتحاد السوفيتي سابقا، وكيف أن التحالفات الاقتصادية بين الدول حتى تلك التي خاضت حروبا ضد بعضها البعض يمكنها أن تخلق اقتصادا قويا يساعد الجميع على توفير حياة أفضل لمواطنيها مبرهنا على ذلك بالاتحاد الأوروبي وكيف تمكنت دول الاتحاد من خلق ظروف أفضل لمواطنيها ولجيرانها على حد سواء.

ليصل بيريز بعد ذلك إلى أن إسرائيل وجيرانها يمكنهم فعل هذا بشكل أفضل حيث لا توجد حواجز طبيعية بينهم فضلا عن العديد من العوامل الأخرى التي لم تتوافر لبلدان الاتحاد الأوروبي وشعوبه ما يمكن دول الشرق الأوسط من صنع واقع أفضل لشعوبها وبناء مستقبل مشرق ومواجهة التحديات بكفاءة أكبر والتي انتقل للحديث عنها في الفصول: الثامن، والتاسع، والعاشر، والحادي عشر من الكتاب التي حملت العناوين التالية على التوالي(الحزام الأخضر، المياه الحية، البنية التحتية للنقل والمواصلات، تطوير السياحة) حيث تحدث عن المياه والاكتفاء الذاتي من الغذاء وتطوير طرق و وسائل النقل متباهيا بتجربة إسرائيل في هذا الميدان واستخدامها التكنولوجيا إلى أبعد مدى  ممكن في ذلك.

وتجدر الإشارة هنا إلى ما ورد  في الفصل العاشر من الكتاب حول منطقة البحر الأحمر وما يحمله بيريز من تصورات خاصة بها حيث قال:" البحر الأحمر له قيمة استراتيجية مركزية، لهذا يمكنه أن يصبح خليجا للسلام الحقيقي الشامل. ويمكننا اتخاذ إجراءات تعاونية من شأنها أن تبني الثقة، مثل إنشاء شبكات إنذار مبكر متبادلة حول التحركات العسكرية...أو تنفيذ مشاريع مشتركة لإنقاذ صيادي الأسماك...ويمكن للبحر الأحمر أن يسهم في السياحة (صيد الأسماك وقضاء الإجازات) وكذلك في أعمال نقل النفط ،والبضائع . ويمكننا بناء طريق طويل على طول شواطئه، وحفر أنفاق لجر المياه وتمديد خطوط أنابيب للنفط والغاز، وربط شبكات للكهرباء والمواصلات، كما يمكننا أن نجعل من البحر الأحمر منطقة مزدهرة للتجارة؛ فالبحر الأحمر عبارة عن خليج طويل ضيق ونظرا لضيقه يمكننا أن نجسره بالسلام".

في نهاية الكتاب وفي الفصول الأخيرة منه والتي حملت العناوين التالية: ( عالم الغد، الكونفدرالية، مشكلة اللاجئين) يضع بيريز اللمسات الأخير على لوحته التي أسماها الشرق الأوسط الجديد وذلك بالحديث عن الصورة المشرقة للشرق الأوسط في أبهى تجلياتها حيث السكان مسالمون، والجيران طيبون، والناس يتنقلون وكذلك البضائع بلا أي قيود ، وهناك انسياب لرؤوس الأموال ، والطاقة ولكل شيء دون التوقف عند قضايا غير جوهرية - وفقا لوصفه- مثل الدولة الفلسطينية حيث يمكن أن تضم الأراضي التي تسكنها الكتلة الكبرى من الفلسطينيين إلى الأردن  مع ضمان حرية التنقل بين بلدان المنطقة  ما يفقد الحدود أهميتها ، ومع تمتع السكان بامتيازات متساوية  .

ويؤصل بيريز لأفكاره السابقة بقوله: "المعروف أن البريطانيين استولوا على البلد الذي كان يسمى فلسطين من الأتراك عام 1917م. وبعد خمسة أعوام تم تقسيمه إلى جزئين؛ حيث أقيمت المملكة الأردنية الهاشمية بشرق النهر ، وأقيمت فلسطين غربه وذلك بموجب تفويض منحته عصبة الأمم لبريطانيا العظمى ...من زاوية قومية بحتة فإنه لا يمكن تجاهل حقيقة أن الأغلبية من سكان الأردن من أصل فلسطيني ".

وفي العلاقة بين الأردنيين والفلسطينيين كتب بيريز : "ليس أمام الأردنيين والفلسطينيين من خيار سوى التعايش المشترك، والهيكل السياسي الجديد يجب أن يعكس وبأمانة الصورة الديمغرافية التي تحتم على الطرفين العيش تحت سقف واحد فالفروقات بين الشعبين الأردني والفلسطيني لا تستند إلى خلافات ثقافية ، أو دينية ، أو تقاليدية ، أو عرقية ، بل لعبة الظروف التاريخية ، والأحداث السياسية على إبراز مثل هذه الخلافات، و باستثناء الهوية القومية الخاصة لكل من الفلسطينيين والأردنيين والتي تميزهما عن بعض، فإن الشعبين من أصل واحد الأمر الذي يعكس السمة التي توحدهما".

وواصل هذا الحديث بالقول:" في حال قيام كونفدرالية أردنية فلسطينية فإن الجيش الكونفدرالي يمكن أن يتركز شرقي النهر، ونزع سلاح الضفة الغربية  مما يسمح لإسرائيل بإظهار ردة فعل منطقية للادعاءات الإقليمية..."

ويختم الكتاب بنص خطاب بيريز في الأمم المتحدة الذي ألقاه في 28/أيلول /1993. والذي طرح فيه بشكل مختصر ما ورد في هذا الكتاب.


منتدى ثقافي علمي ناطق بالعربية وهو مساحة نتشاركها جميعًا لنتحدث عما يجول في أذهاننا وما نتحدث فيه مع أصدقائنا في ما لا تتطرق له وسائل الإعلام، سواءً كانت فكرة جمعك حولها نقاش مع أصدقائك،.