حمل هذا الكتاب بنسختيه العربية والإنجليزية عنوان "مكان بين الأمم: إسرائيل والعالم" ،وحملت نسخته العبرية عنوان "مكان تحت الشمس" ، مؤلف هذا الكتاب هو رئيس وزراء إسرائيل السابق ورئيس حزب الليكود بنيامين نتنياهو وقد صدرت النسخة العربية منه عن دار الأهلية للنشر والتوزيع عام 1996 أي بعد ثلاث سنوات من النسخة الأصلية .
يقع الكتاب في 420 صفحة من القطع المتوسط موزعة على الفصول التالية:
- ظهور الحركة الصهيونية
- التخلي عن الصهيونية
- حقيقة القضية الصهيونية
- قلب حقيقة السبب والمسبب
- حصان طروادة
- نوعان من السلاح
- الجدار الواقي
- المشكلة السكانية
- سلام دائم
- مسألة القوة اليهودية
يعد هذا الكتاب خير مثال على الفكر اليميني الصهيوني المتطرف بما يحتويه من كراهية، وحقد، ودعوة للعنف، والقتل، والإرهاب، وكذلك الرغبة في التوسع إذ يجسد فكر حزب الليكود في أبها تجلياته والذي يعتمد على مقولة (جابوتينسكي) :"الأردن بضفتين كلتاهما لنا" .
يستهل نتنياهو كتابه بالحديث عن المحرقة اليهودية (الهولوكوست) والتي نفذها النازيون الألمان ضد اليهود إبان الحرب العالمية الثانية وكأنه يجعل منها ذريعة للجرم الذي ارتكبته الحركة الصهيونية باغتصاب أرض شعب، وقتله، وتشريده، وقمعه، وحصاره، وممارسة أقذر أصناف العنصرية ضده؛ وكأنه بهذا يبتز العالم للتغاضي عن هذه الجريمة النكراء.
وفي هذا السياق يشير إلى عظمة العنصر البشري اليهودي والذي نهض من بين الأنقاض ليصنع مستقبله وليزاحم العالم لإيجاد مكان له بين الأمم العظيمة.
أما فيما يتعلق بالمأزق التاريخي والمتمثل في اغتصاب أرض من شعبها لإنشاء وطن قومي لليهود فيستدعي بنيامين نتنياهو الخرافة إلى جانب القصص الدينية المدسوسة على التوراة والإنجيل، وكذلك التاريخ غير الموثوق ، ويخلط كل هذه الأوراق ليثبت أن اليهود امتلكوا هذه الأرض في حقبة من الزمن، وأنها الأرض الموعودة التي وهبها لهم الرب حين صعد موسى على جبل نون: " وقال له الرب: هذه هي الأرض التي أقسمت لإبراهيم، واسحق، ويعقوب قائلًا لنسلك أعطيها" .
ويذهب أبعد من هذا في تحريض الغرب على قبول الادعاء الصهيوني دون تفنيد أو تمحيص فيدعي أن إسرائيل جزء من الغرب المتحضر وإن وجدت داخل الشرق المتخلف وأن الصراع بين إسرائيل والعرب هو صراع في حقيقته بين الفكر الغربي المتحضر المتمدن الذي تمثله إسرائيل، والفكر الشرقي المتخلف الذي يكره الغرب و الذي تجسده الدول العربية ولذلك يسعى للقضاء عليها.
وهو يقدم هذه الأفكار في سياق معالجته الإيديولوجية والتاريخية للعديد من الجوانب المرتبطة بالصراع العربي – الإسرائيلي، ويعيد نتنياهو بلورة نظريته العنصرية إزاء العرب بالمجمل، باعتبارهم أمة لا نفع منها، ولا يمكن أن تستقيم في نهج الحضارة إلا من خلال سياسات القوة، وأنه لا يمكن الوثوق بهم،فهم في رأيه متلونون، يبدلون آراءهم ومواقفهم بسرعة عجيبة، وأن قادتهم السياسيون يتخذون من القضية الفلسطينية فزاعة لتحقيق أهدافهم الشخصية في القضاء على معارضيهم والتشبث بكرسي الحكم، وفي هذا الجزء من كتابه يتطرق نتنياهو إلى تفاصيل دقيقة وطويلة عن معظم الدول العربية ليثبت أن الدماء العربية التي سفكت بسبب مطامع شخصية ضمن الصراع على الحكم أو بين الدول العربية بعضها بعضا أغزر بكثير من الدماء التي سفكت في الصراع بين العرب وإسرائيل.
وعليه يقدم نتنياهو إسرائيل كرأس حربة في الدفاع عن الغرب ما يستوجب وفقا لهذا -كما يدعي- أن تلقى كل الدعم منه في حربها ضد العرب الأشرار المتخلفين والعدوانيين والديكتاتوريين وذلك لتتمكن من الدفاع عن نفسها بقوة الردع "قوة الردع المعتمدة على قوة الحسم" هذا المصطلح الذي يشرحه باستعراض تجربة عملية لسمكة صغيرة تمثل إسرائيل وأخرى كبيرة مفترسة تمثل العالم العربي وضعتا معا في حوض واحد يفصل بينهما جدار زجاجي غير مرئي ، وكلما حاولت السمكة الكبيرة مهاجمة السمكة الصغيرة يرتطم وجهها بالجدار الزجاجي وتتهشم أسنانها وكلما كررت السمكة الكبيرة مهاجمة السمكة الصغيرة وصلت إلى نفس النتيجة، وفي النهاية تضطر السمكة الكبيرة أن تكف عن المحاولة وأن تعيش إلى جوار السمكة الصغيرة بسلام.
واستكمالا لهذه الرؤية لا يعترف نتنياهو بأي حق من حقوق الشعب الفلسطيني التي تتعارض مع مصلحة "الدولة اليهودية" واشتراطاتها، وفي مقدمتها ضمان أمن إسرائيل وحمايتها من أي اعتداء محتمل. وعليه يرفض الكاتب في طرحه فكرة التخلي عن الضفة الغربية وهضبة الجولان، باعتبارها مسألة تتعارض مع الاستراتيجية الأمنية لإسرائيل، إضافة لاعتماد هذه الأخيرة على هاتين المنطقتين في البعد المائي الضامن لاستمرارية تزويد الكيان بالماء النقي.
واستكمالا للواقع المستقبلي الذي يسمح لإسرائيل أن تأخذ مكانا بارزا تحت شمس المنطقة، أكد الكتاب في أكثر من مكان على أهمية التطبيع مع الدول العربية، وتحديدا الدول النفطية.
يستشعر القارئ للكتاب، حجم القلق الذي يسكن عقل المؤلف مما يعتبره الخطر الحقيقي الذي يهدد وجود إسرائيل ممثلا بالجمهورية الإيرانية، ففي أكثر من موضع يستحضر نتنياهو المخاوف من امتلاك إيران السلاح النووي، خصوصا في ظل حكم إسلامي راديكالي، وهي حالة من شأنها إذا اكتملت بنجاح أن تحدث تغييرا عميقا في موازين القوى بالمنطقة لصالح طهران، وهذا التغيير قد يتطور ويأخذ في التصاعد وصولا إلى حرب إقليمية. ولمواجهة هذا التهديد فإنه يحث في كتابه الدول العربية والولايات المتحدة الأمريكية إلى اعتماد سياسة الحصار والمقاطعة، وصولا لإجراء تغيير هيكلي في الجمهورية الإسلامية.
ويمكن تحديد الأفكار التالية كخطوط عريضة لما ورد في الكتاب :
- التحذير من القبول بالعرب والركون إليهم أو الاعتماد عليهم والتفاوض معهم.
- يتحدث طويلا عن التاريخ القديم للمنطقة (العربية) وأن اليهود هم السكان الأصليون، وقد تعرضوا للاضطهاد على مر العصور.
- يدعي أن الفكر المسيحي الصهيوني من الدعائم الرئيسة لدولة إسرائيل .
- يدعي بأن العرب أغبياء وكسلى !
- يؤكد على أن العنف في الشرق ليس بسبب القضية الفلسطينية، فالعرب عندهم مشاكل داخلية وقتلاهم في حروبهم البينيِّة أضعاف مضاعفة لقتلاهم في حربهم مع اسرائيل، وكل زعيم عربي يطمح لابتلاع دولة الآخر..
- الغرب ينظر بجدية لتهديدات ( الأصولية الاسلامية ) بينما لا يكترث لتهديدات القوميين العرب..
- ستظل اسرائيل والغرب وكثير من العرب في معارك مستمرة مع التطرف الاسلامي!
- يوجد حكام عرب أصدقاء للغرب، لكن يجب عدم دعمهم بالأسلحة المتطورة، لأن هذه الأنظمة غير مستقرة، وربما في أي لحظة يأتي حاكم جديد يعلن الحرب على إسرائيل وأمريكا وأوروبا.
- أصرَّ الغرب بدايةً على دعم صدام حسين لكن حين غزا الكويت ندم على ذلك.
- تسليح العرب ( المعتدلين ) لن يجدي، فالخليج اشترى أسلحة من الغرب بالمليارات لكنها لم تفيده شيئا حين غزاه صدام!!
- ينصح العرب بترك الأحلام واعتبار اسرائيل أمرا واقعا!
- الانتفاضة تسبب أزمة مالية للفلسطينيين بالإضافة لتشكل أمراء حرب فيها (الانتفاضة تأكل أبناءها)
- تهديد العرب بإفناء اسرائيل كلام فارغ.
- يقول إن عبد الناصر أدرك أن من يقود المعركة ضد اسرائيل يضمن لنفسه زعامة العرب.
- أخطأ الغرب حين تصور أن قيام دولة فلسطينية سيقف في وجه التعصب الديني، لأن عرفات ثبت أنه غير قادر على السيطرة على الكثير من الفصائل..
- صعوبة السلام مع العرب، لأن الدول الديمقراطية حين تريد أن تدخل في حرب تحتاج إلى تغيير المزاج العام لشعوبها، بينما العرب تخضع حروبهم لأمزجة حكامهم!
- المواطن الاسرائيلي يدفع ثمنا باهظا للحرب : خدمة الزامية، احتياط، ضرائب، نوعية المعيشة …
- يفتخر بقوة اسرائيل العسكرية ويُلمِّح إلى أن العرب لن يحاربوها، فأي حاكم يفكر في ذلك سيخسر الحرب وكرسيه، لهذا ينادي بما أسماه ( سلاح الردع ) .
- يخشى من حدوث أي قلاقل بجانب اسرائيل، لأنه بإمكان أي شخص يحمل صاروخ كتف من تهديد الدولة الصهيونية.
- يرى أن على العرب تقديم تنازلات للسلام، لأن اسرائيل قدمت الكثير!!
- يجب ألا تقوم سيادة عربية في الضفة وغزة إنّما حكم ذاتي فقط لإدارة شؤون الحياة!
- يرى أن العرب عن قصد منهم لا يحلون مشكلة اللاجئين الفلسطينيين لتظل مشكلة أمام العالم، في حين يرى هو أن تحل لأنها ( مستنقعات ) للكراهية..
بعد صدور الكتاب بفترة قصيرة تمكن نتنياهو من الوصول إلى رئاسة الحكومة في اسرائيل، وتمكن خلال فترات رئاسته، من تحقيق جزء غير قليل من رؤاه التي شرحها في كتابه، ابتداء من استبدال الصيغة الأصلية لفكرة السلام باعتبارها صيغة تبادلية الأرض مقابل السلام والاستعاضة عنها بصيغة أحادية، سلام مقابل سلام، ونجاحه كذلك في إعلان دولته باعتبارها دولة قومية يهودية، وتكثيف الاستيطان، وانتزاع اعتراف الولايات المتحدة باعتبار القدس عاصمة موحدة لإسرائيل، والتعامل مع الجولان باعتباره جزءا لا ينفصل عن اسرائيل، والعلامة الفارقة في إنجازات هذا الرجل، تتمثل بنجاحه في اختراق منظومة دول الخليج العربي، والتطبيع مع أنظمتها، وإن قدر له العودة لرئاسة حكومة الكيان فسيعمل جاهدا على ضم الضفة الغربية وغور الأردن لإسرائيل كما وعد ناخبيه.