الهوية هي مجموعة من الصفات والمواصفات التي تجعل شخصا ما ينتسب إلى فئة أو فئات معينة كما تعطيه مميزات خاصة به، هذا ما أفاد به المفكر العربي ومدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات الدكتورعزمي بشارة حول مفهوم الهوية مؤكدا أنه مفهوم فلسفي يصعب وضعه ضمن قالب محدد، وقد عبر عن ذلك خلال برنامج القراءة الثانية الذي يبث عبر تلفزيون العربي.
كما يرى بشارة أن لدى الفرد صفات جوهرية يعتبرها جزءاً أساسيا يرغب في إظهارها وفي المقابل هنالك بعض الصفات يرغب في إخفائها لكن الصفات التي يحرص على أن يظهرها هي الصفات التي يرغب من الآخرين أن يتعاملوا معه على أساسها وحتى هذه الصفات يختلف شعوره بها أو حرصه على الظهور بها باختلاف الفئة التي ينتسب إليها حيث أن الفرد وفقا لمعطياته ينتسب لفئات عدة.
ويوضح بشارة أن الفرد قد ينتمي لعدة فئات في الوقت الواحد وفقا للمعيار الذي يتم على أساسه الفرز كأن يكون المعيار الدين أو الجنسية أو المهنة أو مكان الإقامة. وكذلك يبين أن الفرد يبرز الصفة التي يرغب من الآخرين أن يتعاملوا معه من خلالها وذلك أيضا وفقا لمجموعة من المعطيات .
ويبين المفكر العربي أن المؤسسات التي تستهدف الفرد والمقصود هنا ما يعرف بمؤسسات التنشئة الاجتماعية هي من تحدد أولويات تعريف الفرد لنفسه بناء على صفاته الجوهرية هل الأولوية للدين؟ أم للجنسية؟ أم للعرق والقومية؟ كما أن البيئة ذاتها تلعب دورا في هذا - وفقا لبشارة- حيث أن الشخص كما يرى مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات يمكن أن يبرز هويته أو يخفيها وفقا لطبيعة البيئة التي يتواجد فيها ويضرب على ذلك مثالا أن الشخص العربي المسلم إذا كان في بيئة ترحب بهذه الصفات فإنه سيسعى لإبرازها والعكس بالعكس، وفي نفس الوقت يلفت الدكتور عزمي بشارة النظر إلى أنه قد يتم التركيز على الصفات الجوهرية في بيئة معادية كنوع من التحدي حيث أن الفرد بسبب شعوره بالاضطهاد فإنه يسعى إلى إبراز صفاته المميزة مبينا أن هذا الأمر يتوقف على طبيعة الفرد.
و يذكر بشارة أن مفهوم الهوية كذلك مرتبط بطبيعة المجتمع وتعقيدات الحياة ذاتها فكلما كان المجتمع بدائيا والحياة بسيطة كلما كان مفهوم الهوية أكثر تحديدا ووضوحا مدللا على ذلك بالمجتمعات البدوية قديما حيث كانت هوية الفرد تحدد بطبيعة نسبه وكذلك أدواره الوظيفية من الولادة حتى الممات ويستثني من ذلك حالات خاصة جدا كبعض الرحالة، والشعراء ، والصعاليك...وبصورة بسيطة أيضا لا تبتعد بشكل كبير عن المفهوم العام للهوية السائد في البيئة القبلية.
في المجتمعات الحديثة والأكثر تعقيدا يرى بشارة أن انتماءات الفرد تتعدد بطريقة قد تبعده عن الجماعة العضوية التي وجد نفسه فيها كالعائلة أو القبيلة أو المكان الذي ولد فيه، وفي نفس الوقت قد تتولد لدى الفرد صراعات داخلية تنجم عن التناقض بين هذه الفئات مثل صراع الشخص بين انتمائه لقبيلته وانتمائه لوطنه.
وفي سياق الحديث عن الهوية الوطنية يشير بشارة إلى أن قوة الهوية الوطنية وهشاشتها تتوقف على طريقة تعامل مؤسسات الدولة مع الفرد فإذا كانت تعامله على أساسا من كونه مواطنا فستصبح الهوية الوطنية متينة، وعلى العكس من ذلك إذا كانت ستعامله على أساس انتمائه القبلي، أو المناطقي،أو العرقي، أو الديني، أو الطائفي، أو المذهبي أو أي انتماء آخر وفي هذه الحالة التي تكون فيها الهوية الوطنية هشة يرى بشارة بأن المجتمع يكون عرضة لتشرذم في حالة تعرضه لهزة قوية حيث سينحاز كل فرد لهويته الأولية بحثا عن الأمان.
ويرى بشارة أنه لا علاقة لقدم الدولة وحداثتها في مسألة قوة الهوية أو ضعفها وهو بالمجمل يرى أن جميع الهويات مصطنعة وأن جميع الدول بمفهومها الحالي ذات نشأة حديثة مؤكدا على أن الهوية ترتبط بشكل أساسي بطريقة تعامل الدولة مع مواطنيها بقدر من المساواة ،والأهمية، والحرص، وقدرتها على إشعاره بالأمان ولكنه يستدرك على الفكرة الأولى بالإشارة إلى أن قدم الدولة أو المجتمع يلعب دورا أكبر في تكثيف مفهوم الهوية بمعني إعطاء طابع عام للمجتمع أو الثقافة التي تميزه عن غيره ضاربا مثلا على ذلك في التشابه بين أفراد المجتمع في المأكل ،والمشرب، والمسكن، والعادات، والتقاليد حيث يرى أن طول المعاشرة يلعب دورا مهما في تمتين الهوية لكنه ليس دورا حاسما .
في العالم العربي يعتقد المفكر العربي أن مفهوم الهوية الوطنية لم ينجز بعد مع وجود بعض الظواهر هنا وهناك ضاربا مثال على ذلك بدول الخليج التي توزع جزء من ثرواتها على مواطنيها وتوفر لهم الخدمات كما تقدم لهم رعاية من نوع ما، لكنه يعود ويؤكد بأن الهوية الوطنية بمفهومها العميق الذي يستند إلى المساواة لم ينجز بعد. وبالمجمل يرى أنه سيما في الدول العربية التي لا تمتلك موارد فإن مفهوم الهوية الوطنية لم يتكون بعد على الرغم من بعض الإنجازات التي حققتها معظم الدول العربية مقارنة بحقبة الاستعمار.
و فيما يتعلق بمصر بين مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات أن مصر كدولة وجدت عبر التاريخ ولذلك يمكن الحديث عن هوية مصرية لكن فيما بعد لعبت مصر، وبلاد الشام دورا أساسيا في النهضة العربية سيما في المرحلة الناصرية مؤكدا على أنه لا يوجد تناقض بين الهوية العربية والمصرية في مصر وأن مصر تشهد حالة رائعة من التجانس وغياب الطائفية تجلت هذه الحالة في ثورة 25يناير وهو في المجمل يعتقد بأن مصر مرشحة بقوة لأن تصبح دولة ديمقراطية بسبب التجانس، وإمكانية تجاوز البعد الطائفي لوجود شعور قوي لدى أفراد المجتمع المصري بالانتماء للدولة المصرية حيث لا توجد شروخ طولية عميقة تقسم المجتمع مبينا أن هذه الأسباب وقفت وراء تفاؤل الشعوب العربية بنجاح التجربة الديمقراطية في مصر ومن ثم في العالم العربي.
أما فيما يتعلق بالعراق فيرى الدكتور عزمي بشارة بأن الهوية الوطنية هي الوحيدة القادرة على جمع العراقيين وأن الهوية العربية هي القاسم المشترك بين أفراد المجتمع العراقي محذرا في الوقت نفسه من أن غياب الهوية العربية سيدفع المجتمع العراقي للتشرذم العشائري والطائفي.
ويميز بشارة بين الطائفية الاجتماعية التي يرى أنها ظاهرة حميدة من حيث كونها تمثل شكلا من أشكال التعاضد الاجتماعي وبين الطائفية السياسية التي تنظر إلى الدولة كغنيمة لصالح زعيم الطائفة الذي يركز على مكاسبه الشخصية وما يمكن أن يحققه من نفع محدود لأبناء طائفته شريطة أن يمر هذا النفع من خلاله وإن كان ذلك على حساب الدولة ومستقبلها.
و يوضح المفكر العربي بأنه لا يخشى على اللغة العربية رغم مزاحمة بعض الكلمات الانجليزية لبعض مفرداتها معتبرا أنه لابديل عن اللغة العربية كلغة معيارية أي اللغة الرسمية في التعلم، وفي سن القوانين، والنظم فضلا عن كونها لغة القرآن الكريم. مبينا في الوقت نفسه أن حرص الأقليات على لغتها والتحدث بها أمر مقبول في حدوده على أن لا تكون أي لغة بديلا للغة العربية في الدول العربية.