التفكير الحر حق لكل مواطن عربي

دراسات مختارة

الاطار العام لسياسة (بايدن) الخارجية : "لماذا يجب أن تقود أميركا مرة أخرى"

الاطار العام لسياسة (بايدن) الخارجية : "لماذا يجب أن تقود أميركا مرة أخرى"

 

نشر المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات تقدير موقف لما يتوقع أن تكون عليه السياسات الخارجية للرئيس المنتخب للولايات المتحدة الأمريكية (جوزيف بايدن) والذي سيتم تنصيبه رسميا في العشرين من كانون الثاني /يناير2021 في ضوء الاطار العام لرؤية (بايدن) للنهج الذي يفترض في الولايات المتحدة الأمريكية أن تسلكه في سياستها الخارجية والذي نشرته مجلة فورين أفيرز في نيسان/ أبريل 2020 بعنوان: "لماذا يجب أن تقود أميركا مرة أخرى: إنقاذ السياسة الخارجية للولايات المتحدة بعد ترامب" ؛ حيث ورد في تقدير الموقف ما يلي :

يرى(بايدن) أن الولايات المتحدة هي الوحيدة القادرة على قيادة العالم الحر حيث أنها تمتلك الإمكانات العسكرية، والاقتصادية، والمنظومة القيمية اللازمة لذلك. ولكن يتوجب عليها أولا أن تستعيد مصداقيتها مع أصدقائها وأعدائها على حد سواء بعد سياسات خلفه (ترامب) الفوضوية والتي أحدثت ضررا بالغا في صورة أمريكا الخارجية حيث فشل في دعم المبادئ الديمقراطية الأساسية حول العالم، مما أدى إلى تراجع مكانة الولايات المتحدة وقوض قدرتها في حشد حلفائها لمواجهة التحديات المختلفة التي تواجهها سيما تلك التي تتعلق بأمنها القومي  إزاء كوريا الشمالية، وإيران، وسورية وأفغانستان وفنزويلا وغيرها...، كما يرى (بايدن) أن (ترامب) شن حروبا اقتصادية غير حكيمة ضد خصوم الولايات المتحدة وأصدقائها على حد سواء مما أضر بمصالح الشعب الأمريكي، ويرى أيضًا أن التحدّيات التي تواجه الولايات المتحدة والعالم، من تغير المناخ، والهجرة الجماعية إلى التهديدات (السيبرانية) والأمراض المعدية، أصبحت أكثر تعقيدًا وإلحاحًا، وسيكون على الرئيس القادم إنقاذ السمعة الأميركية، وإعادة بناء الثقة بقيادتها، لمواجهة التحدّيات الجديدة في أسرع وقت.  

يعتبر (بايدن) حماية الشعب الأمريكي ومصالحه أولوية بالنسبة له مشيرا إلى أنه لن يتردد في استخدام القوة العسكرية متى كان هذا ضروريا وبعد استهلاك كافة الوسائل التي يمكنها أن تغني عن ذلك "وهذا في حال كان الهدف واضحًا وقابلًا للتحقيق، و بعد موافقة الشعب الأميركي. وبناء على ذلك، يؤكّد أن إدارته ستوقف الدعم "للحرب التي تقودها السعودية في اليمن"، لأنها لا تقع ضمن أولويات الولايات المتحدة. وكذلك ستعمل على انهاء الحروب الطويلة التي كلفت الولايات المتحدة الكثير من الدماء والأموال مثل الحرب في أفغانستان وحروب الشرق الأوسط . على أن يتم الاستعاضة عن هذه الحروب وعند الضرورة بالعمليات النوعية والتي يتم تنفيذها من قبل أعداد قليلة من القوات الخاصة أو من خلال تقديم الدعم اللازم لقوات حليفة لتتمكن من القيام بمهمتها. وفي سبيل ذلك لابد للولايات المتحدة الأمريكية من توطيد تحالفاتها كحلف شمال الأطلسي وتعزيز علاقاتها الدبلوماسية والوصول إلى شركاء في آسيا وأمريكا اللاتينية وافريقيا والعمل على دمجهم في المجتمع الدولي وهو يرى أن الولايات المتحدة تحت إدارته ستعود إلى ممارسة دورها بوصفها قوة رائدة في إرساء قواعد العلاقات الدولية، وصياغة الاتفاقات، وتنشيط المؤسسات التي تضبط العلاقات بين الدول وتعزز الأمن الجماعي والازدهار.

وحتى تقوم الولايات المتحدة بالدور المطلوب منها يرى (بايدن) أنه لابد للولايات المتحدة من استعادة(قوة النموذج) الذي تمثله أولا وذلك بعدة طرق منها: التشديد على أهمية حلف الناتو، ضمن مساعيها لاحتواء روسيا، مع الإصرار على ضرورة زيادة أعضائه لإنفاقهم الدفاعي، والعودة إلى الانضمام إلى اتفاقية باريس للمناخ، ومنظمة الصحة العالمية اللتين انسحبت منهما إدارة (ترامب)، واتباع نمطًا مختلفًا من العلاقات مع الأنظمة التي تصفها واشنطن بالاستبدادية، وهذا يشمل دولًا، مثل مصر والسعودية، وسيكون هناك تركيز من جديد على حقوق الإنسان والحريات. كما يتوقع أن تعود إدارة (بايدن) إلى التعامل مع ملف الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي ضمن المقاربة التقليدية الأميركية القائمة على حل الدولتين. كما وسيلغي (بايدن ) قرار حظر سفر مواطني دول إسلامية إلى أميركا الذي وقّعه ترامب.

أما القضايا الرئيسة التي يتوقع أن تطرأ تغييرات تجاهها في سياسة الولايات المتحدة فهي:

 

أولا: القضية الفلسطينية:

من المتوقع وكما أعلن (بايدن) في خطابات متفرقة العودة إلى السياسة التقليدية للولايات المتحدة التي تقوم على أن أي حل للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي ينبغي أن يكون تفاوضيًا، ويقوم على معادلة "الأرض مقابل السلام"، وحل الدولتين، كما يتوقع أن يعيد الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة الأمريكية لوكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين(أونوروا)، و سيعيد فتح القنصلية الأميركية في القدس الشرقية، لتعود إلى ممارسة دورها بوصفها قناةَ تواصل مع الفلسطينيين. كما أنه سيعارض قرار ضمّ أراضٍ في الضفة الغربية وبناء مستوطنات جديدة أو توسيع القائمة منها دون اتفاق مع الفلسطينيين. وسيعيد فتح مكتب منظمة التحرير في واشنطن. لكن كل هذا لا يعني أنه سيلعب دورا محايدا في حل القضية الفلسطينية حيث لا يُخفي (بايدن) انحيازه المطلق لصالح إسرائيل، وينصّ الجزء الخاص في برنامج سياسته الخارجية صراحة على "التزام صارم بأمن إسرائيل". كما أن البرنامج الوطني للحزب الديمقراطي رفض وصف الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 بـ "المحتلة"، على الرغم من أنه يتحدث عن حل الدولتين، وهو لن يعمل على إعادة السفارة الأميركية من القدس إلى تل أبيب كما سيدعم استمرار تعزيز العلاقات وتوسيعها بين إسرائيل ودول عربية قبل حل القضية الفلسطينية، ولكن ليس بحماس (ترامب).

 

ثانيا: إيران

من المرجح أن تعود إدارة (جوزيف بايدن) إلى الاتفاق النووي مع إيران في حال التزام الأخيرة ببنوده وشروطه وفي الوقت نفسه ستتصدّى لأنشطة إيران الأخرى المزعزعة للاستقرار في المنطقة على نحو أكبر

 

ثالثا: الصين

تعد الصين المعضلة الكبرى بالنسبة لإدارة (بايدن) سيما بعد تدهور العلاقات بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية التي لجأت إلى سياسات عشوائية تجاهها في عهد (ترامب)وقد باتت الصين تمثل المعضلة الاستراتيجية الأبرز لأي إدارة أميركية؛ فالصين هي المنافس الجيوسياسي للولايات المتحدة اقتصاديًا وتكنولوجيًا، وهي تهدّد الهيمنة الأميركية عالميًا، وتعزّز سيطرتها على بحر الصين الجنوبي، وتستمر في بناء قوتها العسكرية، وتمدّ نفوذها في شرق آسيا وفي مناطق أخرى كثيرة من العالم. ومن المرجح أن تسعى إدارة (بايدن) لاحتواء الصين وذلك بغرض كبحها والحد من توسعها كأولوية. ويشدّد (بايدن) على أن الولايات المتحدة يجب أن تكون صارمةً مع الصين، ولكن الطريقة الأنجع لفعل ذلك تكون عبر استراتيجية "العصا والجزرة"، وبناء جبهة موحدة من حلفاء الولايات المتحدة وشركائها لمواجهة انتهاكات حقوق الإنسان في الصين، وفي الوقت نفسه يتم التعاون مع بكين في القضايا التي تتلاقى فيها المصالح، مثل تغير المناخ، وعدم انتشار الأسلحة النووية، كما في كوريا الشمالية وإيران، والأمن الصحي العالمي. وتقوم مقاربة (بايدن) على أن الولايات المتحدة بمفردها تمثل نحو ربع الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وعندما تتحد القوة الاقتصادية الأميركية مع القوة الاقتصادية للديمقراطيات الغربية والآسيوية الأخرى، كاليابان وكوريا الجنوبية، فإن الصين لن يكون في مقدورها تجاهل أكثر من نصف الاقتصاد العالمي.

 

رابعا: روسيا

يشدّد (بايدن) على ضرورة "فرض تكلفة حقيقية على روسيا بسبب انتهاكاتها للمعايير الدولية، ودعم المجتمع المدني الروسي، الذي وقف بشجاعة مرارًا وتكرارًا ضد نظام الرئيس (بوتين). كما يرى أن تعزيز القدرات العسكرية لحلف الناتو سيكون ضروريًا لمواجهة "العدوان الروسي". وعلى الرغم من توقّع مراقبين عديدين تصاعد التوتر بين واشنطن وموسكو في ظل إدارة (بايدن)، فإن الحد من التسلح النووي قد يكون أحد المجالات للتعاون بين الطرفين؛ ذلك أن معاهدة الحد من الأسلحة الاستراتيجية "ستارت" START الموقعة عام 2010 تنتهي في شباط/ فبراير 2021.ويرى (بايدن) أن هذه المعاهدة "ركيزة للاستقرار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة وروسيا". ولذلك، لا عودة إلى الحرب الباردة، ولكن إلى سياسةٍ أكثر تشدّدًا مع روسيا وذات التزام أكبر بأمن الحلفاء.

 

لا تبدو مهمة (بايدن) المعلنة سهلة نهائيا والبدايات تبشر بهذا فرفض (ترامب ) الاعتراف بالهزيمة ومحاولته اغراق (بايدن) بسيل من القضايا، والاشاعات، والتشكيك في نزاهة الانتخابات، وتعطيل عملية النقل السلس للسلطة الذي طالما تباهت به أمريكا يعد أمرا استثنائيا، هذا فضلا عن الوضع شديد التعقيد الذي خلفته سياسات (ترامب) العشوائية والتي ستجعل حلفاء الولايات المتحدة قبل أعدائها متشككين تجاه سياستها المستقبلية وأهليتها لقيادة العالم من جديد.  

 


منتدى ثقافي علمي ناطق بالعربية وهو مساحة نتشاركها جميعًا لنتحدث عما يجول في أذهاننا وما نتحدث فيه مع أصدقائنا في ما لا تتطرق له وسائل الإعلام، سواءً كانت فكرة جمعك حولها نقاش مع أصدقائك،.