أصدر المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ضمن سلسلة تقدير موقف دراسة قصيرة بعنوان "المباحثات السعودية- الإيرانية: دوافعها وفرص نجاحها وذلك بالبحث في خمسة محاور هي:
الأول: جذور الخلاف السعودي - الإيراني.
ثانيا: دوافع التغيير في الموقف السعودي.
ثالثا: دوافع إيران.
رابعا: دوافع العراق.
خامسا: آفاق المفاوضات.
استندت الدراسة إلا ما تم نشره في صحيفة (نيويورك تايمز) في الأول من أيار/مايو 2021 بأن كلا من المملكة العربية السعودية وايران تتوجهان لعقد جلسة ثانية من المباحثات السرية بينهما في العاصمة العراقية بغداد على مستوى السفراء، كما بينت الدراسة أنه وفقا لصحيفة(الفايننشال تايمز) الصادرة في 18 نيسان/أبريل 2021 فإن الجولة الأولى كانت قد عقدت في 9 نيسان /أبريل 2021. حيث ترأس الوفد السعودي رئيس المخابرات خالد بن علي الحميدان، في حين ترأس الوفد الإيراني نائب أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني سعيد عرافاني.
وفي المحور الأول الخاص بجذور الخلاف السعودي الإيراني فإن الدراسة ترجع هذا الخلاف إلى تاريخ انتصار الثورة الايرانية عام 1979م حين أعلنت الرياض دعمها لشاه إيران وقتها محمد رضى بهلوي على حساب الثورة الإيرانية التي أعلنت أنها تسعى إلى اسقاط كافة الأنظمة العربية المؤيدة لأمريكا في المنطقة، وزاد من حدة التوتر بين البلدين قيام المملكة العربية السعودية بدعم العراق في حربها مع ايران خلال الفترة من 1980م وحتى 1988م وقد بلغ التوتر مستويات غير مسبوقة عندما أقدمت السعودية على اسقاط طائرتين اخترقتا مجالها الجوي في عام 1984م، وكذلك الاضطرابات التي حصلت خلال موسم الحج عام 1987م بين الحجاج الايرانيين وقوات الأمن السعودية، وأسفرت عن مقتل ( 275 ) حاجا ايرانيا و(85) شرطيا سعوديا. وبعد ذلك أخذت وتيرة الخلافات بين البلدين تتذبذب صعودا وهبوطا وفقا لجملة من العوامل ففي حين شهدة الفترة من 1997م وحتى 2005م حالة من الهدوء والتقارب خلال حكم الرئيس الايراني الاصلاحي محمد خاتمي فقد عادت من جديد لتوتر خلال حكم الرئيس محمودي أحمدي نجاد في الفترة من 2005م وحتى 2013م مع الغزو الأمريكي للعراق وصولا إلى انفجار الأحداث بتدخل المملكة العربية السعودية عسكريا في اليمن عام 2015م لمواجهة جماعة الحوثي المدعومة ايرانيا ومن ثم قطع المملكة العربية السعودية لعلاقتها الدبلوماسية مع إيران مطلع عام 2016 اثر اقتحام مجموعة من المتظاهرين للسفارة السعودية في طهران وحرق قنصليتها في مدينة مشهد الايرانية ردا على اعدام السلطات السعودية رجل الدين الشيعي (نمر النمر) الذي اتهمته الرياض بإثارة النعرات الطائفية، والخروج على النظام في المملكة، وقد مثل وصول الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) عام 2017 وما عرف عنه من مواقف متشددة تجاه إيران عاملا حاسما في انتهاج الرياض لسياسات أكثر تشددا تجاه إيران.
وفي المحور الثاني و الخاص بدوافع التغيير في الموقف السعودي فقد عزت الدراسة هذا التغيير إلى العوامل التالية:
- خسارة الرئيس الأمريكي الجمهوري (دونالد ترامب) الانتخابات الأمريكية لصالح المرشح الديمقراطي (جون بايدن) وما عرف عن الأخير من مواقف متشددة تجاه المملكة العربية السعودية على اثر انتهاكها المتواصل لحقوق الانسان وقمع الحريات ويندرج ضمن ذلك الحرب في اليمن حيث قرر (بايدن) رفع الدعم نهائيا عن العمليات العسكرية للمملكة العربية السعودية في اليمن والمطالبة بوقفها.
- الاستنزاف المادي والسياسي الذي عانت منه المملكة العربية السعودية في الآونة الأخيرة حيث وصلت خسائرها في حرب اليمن إلى ما يقارب (100مليار دولار) بالتزامن مع انخفاض الطلب على البترول بسبب جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد19) . وسعي الأمير محمد بن سلمان لحشد كافة الموارد المادية للمملكة لتحقيق رؤيته (2030).
- استغلال الحوثيين للأوضاع المستجدة على الساحة الدولية وتصعيد هجماتهم على المطارات، والموانئ، ومنشآت النفط السعودية ما كبد السعودية خسائر كبيرة.
- استجابة للرغبة الأمريكية في خفض التوتر في المنطقة حيث تسعى الولايات المتحدة لإعادة احياء الاتفاق النووي الايراني بغية التفرغ لتهديد الصين و روسيا.
أما بالنسبة للمحور الثالث والذي تناول دوافع إيران في التقارب مع المملكة العربية السعودية وخفض التوتر فقد اعتبرت الدراسة أن السبب الرئيسي وراء ذلك هو توفير مناخ ايجابي يحيد الدور السلبي السعودي تجاه انجاح المفاوضات التي تدور بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية لإعادة إحياء الاتفاق النووي وما سيتبع نجاح هذا الاتفاق من رفع الحصار الاقتصادي غير المسبوق الذي فرضته إدارة الرئيس (ترامب) على إيران و ألحق ضررا بالغا بالاقتصاد الايراني الذي يعتمد اعتمادا كبيرا على تصدير النفط سيما مع تزامن هذا الحظر مع تبعات جائحة كورونا التي أدت إلى شل الاقتصاد الايراني.
و بالنسبة لدافع العراق في الدعوة لهذه المفاوضات واستضافتها والتي كانت موضوع المحور الرابع فقد بينت الدراسة أن الدافع الرئيسي للعراق في لعب دور الوسيط بين المملكة العربية السعودية وايران هو رغبتها في تحييد الدور السلبي للميليشيات والفصائل الموالية لإيران في العراق تجاه سياستها في الانفتاح على العالم العربي.
وقد خلصت الدراسة في المحور الخامس الذي تناول آفاق المفاوضات بين المملكة العربية السعودية وإيران إلى أن هذه المفاوضات ستلعب دورا مهما في خفض التوتر في المنطقة لكنها لن تثمر نتائج سريعة حيث تتصف الخلافات بين البلدين بالعمق والتعقيد وأنه من المستبعد اعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في وقت قريب كما أن التوتر مع إيران في المشرق العربي سيبقى قائما مادامت إيران ترى أن إنشاء ميليشيات مسلحة ودعمها داخل دول عربية ذات سيادة هو السبيل لتوسيع نفوذها في المنطقة.