المفكر العربي د. عزمي بشارة ورؤيته لحدود التصعيد الإيراني الإسرائيلي وانعكاساته على الحرب في غزة

" سيناريوهات ما بعد الرد الإيراني وعراقيل مفاوضات التبادل ومسار الاعتراف بفلسطين"

يعتقد المفكر العربي د. عزمي بشارة أن مرجع ازدواجية الروايات العربية حول ما قامت به إيران باستهداف إسرائيل ما بين التهويل والتهوين هو غياب المشروع العربي ما أدى إلى إسقاط الأمة العربية أحلامها وآمالها وكذلك انكسارها وإحباطاتها وخيبات أملها على قوى قومية خارجية لديها مشاريعها وأهدافها الخاصة والتي لا تشكل القضايا العربية مثل القضية الفلسطينية الاهتمام الأوحد بالنسبة لها مثل تركيا وإيران.

واستبعد بشارة نشوب حرب بين تل آبيب وطهران لعدة أسباب أهمها؛ المكتسبات الكبيرة لإيران والتي لم تحققها على مدار التاريخ منذ قيام الدولة الصفوية فقد باتت تسيطر على كل من العراق، وسوريا، ولبنان وصولا إلى البحر الأبيض المتوسط، وثانياً أن الاقتصاد الإيراني لا يقوى على تحمل تبعات الحرب فضلا عن الوضع الداخلي لها ، وثالثا كون المنطقة ذاتها لا تحتمل حرباً في هذا الوقت.

ويرى بشارة أن الضربة الجوية التي نفذتها إيران كشفت عن وجود تحالف إقليمي في المنطقة يدعم إسرائيل هذا التحالف والذي أسماه " بالأوركسترا" يعتقد بأنه تشكل على إثر أحداث الربيع العربي عام 2011 و التي وحدت أهداف الأنظمة العربية مع الأهداف الإسرائيلية في المحافظة على الوضع القائم و اعتبار إيران العدو الأوحد في المنطقة.  

جاء ذلك خلال مقابلة أجرها معه التلفزيون العربي يوم الأحد الموافق 14/4/2024  حيث بين الدكتور عزمي بشارة أن ما حدث يعد تطوراً كبيراً ومهماً  وأنه حتى يتم إصدار حكم موضوعي على ما جرى لابد من قراءة ما حدث خارج سياق الحرب على غزة، وضمن سياق الحرب على إيران والقوى المتحالفة معها في لبنان وفلسطين وهي حرب مستمرة شهدت موجات عدة من التصعيد كان آخرها ما حدث في القنصلية الإيرانية ، والعاصمة دمشق، وفي رأيه بأن من قام بتغير قواعد اللعبة والتصعيد بشكل كبير هي إسرائيل وليست إيران التي وجدت نفسها في موقف لا يمكن معه أن تبقى مكتوفة الأيدي إزاء ما حصل لأنه مثل عدواناً مباشراً عليها مس بكرامتها الوطنية وأجبرها على الرد.

أما فيما يتعلق بما يجري في غزة فيرى بشارة أن القوى المتحالفة مع إيران في لبنان واليمن هي المشتبكة بشكل فعلي ومباشر هناك واستدرك قائلا: " إذا ما أريد إضافة مشهد الرد الإيراني على إسرائيل لما يحدث بداية من السابع من أكتوبر فيمكن القول بأن المنطقة لا تهدأ منذ ذلك التاريخ".

وحول وجود روايتين لما حدث إحداهما تهول ما حدث والأخرى تراه مسرحية سمجة أشار المفكر العربي أن كلا الروايتين غير موضوعيتين وفيهما قدر كبير من الأيدلوجيا المرتبطة بالمواقف المسبقة أكثر من القراءة الموضوعية لما وقع مبينا أن ما حدث هو أمر مهم لكونه الهجوم الأول الذي ينطلق من إيران مباشرة باتجاه إسرائيل وبحجم كبير الأمر الذي لم يحصل منذ حرب الخليج الثانية عندما أقدم الرئيس العراقي صدام حسين على استهداف إسرائيل بمجموعة من الصواريخ ، وقبل ذلك كان هنالك حرب أكتوبر 1973 وان كانت لم تتعدى الخط الأخضر إلى داخل إسرائيل ، وعزى وجود روايتين متناقضتين بين التهويل والتهوين إلى غياب المشروع العربي في مواجهة المشروع الكولنيالي الإسرائيلي وهذا ما أدى في رأيه إلى إسقاط الأمنيات والطموحات وخيبات الأمل على القوى الأخرى التي لا علاقة لها بالموضوع وهي دول قومية لها مشاريعها ومصالحها الخاصة  المستقلة عن أمنيات الأمة العربية وأحلامها.

وفيما يتعلق بالتناقض بين كون الهجوم الإيراني هجوماً كبيراً ولكن نتائجه كانت محدودة للغاية فيعتقد بشارة أن النتائج المحدودة لهذا الهجوم جاءت بسبب أن الغاية منه بالنسبة لإيران هو إعلامها للعالم أنها أجبرت على الرد لأن إسرائيل لم تترك لها خيارات أخرى عندما اعتدت على قنصليتها في سوريا. وأنها لا تسعى لإشعال حرب مع إسرائيل وذلك لأسباب عدة أهمها في رأيه أن الاقتصاد الإيراني لا يحتمل الحرب هذا فضلا عن حرص إيران على المحافظة على المكتسبات التي حققتها والتي لم يسبق لها مثيل منذ قيام الدولة الصفوية وذاك أنها باتت تسيطر على كل من لبنان، وسوريا، والعراق وصولا إلى البحر الأبيض المتوسط.

 بالإضافة إلى ما سبق و بخصوص محدودية النتائج فإن إسرائيل استعدت استعداداً جيداً لمواجهة هذا الهجوم إلا أن ما يلفت النظر بالنسبة لبشارة هو أنه تبين أن هنالك "أوركسترا" حقيقية قائمة تم تفعيلها للدفاع عن إسرائيل وفي رأيه أن هذا ملفت جداً حيث أنه ولأول مرة يتم الأمر بهذه الدرجة من الوضوح، مبينا أن هذه "الأوركسترا " لم تتشكل بين عشية وضحاها ولكنها لأول مرة تظهر بهذه الصورة الفجة حيث تبين أن أمريكا، وبريطانيا، وفرنسا، ودول عربية وخليجية لم يتم تسميتها شاركت في التصدي لهذا الهجوم.

وأرجع بشارة تشكل " أوركسترا الدفاع عن إسرائيل" أو ما تسميه إسرائيل بمنظومة التعاون الإقليمي إلى تشكل ما يشابه بالتحالف العربي الإسرائيلي بهدف المحافظة على الأنظمة العربية واستقرار المنطقة وتوحيد الجهود لمواجهة إيران؛ هذا التحالف في رأي بشارة جاء على اثر اتفاقية "كامب ديفيد" والتي قضت على احتمال إقدام أي دولة عربية على شن حرب على إسرائيل ما خلق حالة من الاستقرار الشكلي الذي تطور عقب عام 2011 وأحداث الربيع العربي إلى تحالف بسبب توحد الأهداف سواء فيما يتعلق بالمحافظة على الأنظمة القائمة وضرورة حمايتها من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وعدم السماح بتقويضها أو بالاتفاق على أن العدو  الأوحد في المنطقة هو إيران. وقد ظهر هذا التحالف للعلن إثر فعل الحرب الذي قامت به إيران حيث انكشف حجم التنسيق الأمني بين جميع الدول التي شاركت في رصد حركة الطائرات المسيرة والصواريخ وأسهمت في زيادة فعالية استهدافها والقضاء على غالبيتها مما أسهم في اضمحلال أثرها. وهذا ما يفسر  في رأيه قيام بعض الدول العربية والتي لم تحرك جيشها للدفاع عن فلسطين للقيام بذلك لصد الهجمات عن إسرائيل.

 هذا التحالف الذي نشأ بين إسرائيل وبعض الدول العربية عقب أحداث الربيع العربي جاء على حساب القضية الفلسطينية ومن هنا في رأي بشارة تأتي أهمية أحداث السابع من أكتوبر والتي أعادت القضية الفلسطينية إلى الواجهة مجدداً.  

وحسب اعتقاده فإنه كما كشفت أحداث السابع من أكتوبر عدم قدرة إسرائيل على خوض حرب دون الاعتماد على حلفائها حتى على مستوى الذخيرة فقد كشف الهجوم الإيراني عن أن إسرائيل غير قادرة على التصدي لأي هجوم بمفردها وهذا ما يجعلها رهينة حلفائها بوصفهم الضامن الحقيقي لها.

ويعتقد المفكر العربي بأن إسرائيل لابد وأن ترد على الهجمات الإيرانية لكنها لن تقوم بذلك دون موافقة حلفائها ولن تقوم بذلك بشكل فج يستدعي رداً إيرانياً ولكن كما فعلت سابقا مراراً من خلال الرد على الأراضي السورية أو لبنانية مع ارتفاع سقف التصعيد دون أن يؤدي ذلك إلى نشوب حرب بين البلدين.

وفيما يتعلق بمحاولة نتنياهو جر الولايات المتحدة الأمريكية للحرب مع إيران يعتقد بشارة أن هذا أمر مستبعد للغاية لكنه إذا وقع فإن أمريكا لن تتخلى عن إسرائيل. وبخصوص تأثير الهجوم الإيراني على المتعاطفين مع الشعب الفلسطيني في غزة والمنتقدين لإسرائيل فإنه يرى أن ما حصل لن يحدث أي تغير في موقف الداعمين لأي طرف فحلفاء إسرائيل في رأيه سواء الولايات المتحدة أو الحكومات الأوروبية لاتزال على موقفها بغض النظر عن تعاطف جزء مؤثر من الرأي العام لديها مع الفلسطينيين في غزة والذين لن يتغير موقفهم بعد الهجوم الإيراني على إسرائيل حيث لا يرون فيها ضحية وهو ذات الموقف الذي تقفه بعض الدول مثل إسبانيا ، وإيرلندا وغيرها مما حدث وإن كانت معادية لإيران.

 أما بالنسبة لموقف الدول العربية فيعتقد رئيس المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بأنها ممتعضة من عدم قدرة إسرائيل على القضاء على حماس بالرغم من مرور ستة أشهر على وقوع الأحداث لأن ذلك يسبب لها حرجاً كبيراً أمام شعوبها.

 وبخصوص المفاوضات بين إسرائيل وقوى المقاومة وعلى رأسها حماس وعدم التوصل لاتفاق يفضي إلى وقف دائم لإطلاق النار بعد مرور كل هذا الوقت يرى بشارة أن مرجع ذلك إلى عدم وجود أي اتفاق على أي موضوع بين قوى المقاومة وإسرائيل حيث تريد إسرائيل استعادة الأسرى مقابل إعطاء مطالب جزئية مثل الهدنة، وأعمال الإغاثة ولكنها تصر على استمرار الحرب، والبقاء في غزة والولايات المتحدة تدعم هذا الموقف؛ وبالتالي فإن إسرائيل لا تواجه ضغوطاً حقيقية تجبرها على تقديم تنازلات بهذا الصدد، وفي المقابل فإن حماس قدمت ما يمكنها تقديمه من تنازلات في سبيل التوصل إلى هدنة ولا يمكنها تقديم أكثر من هذا وبالنسبة للحاضنة الشعبية للمقاومة فقد حل ما حل بها من أهوال الحرب التي يستحيل معها التوصل إلى اتفاق دون ضمانات تكفل وقفا دائماً لإطلاق النار والبدء بأعمال الإغاثة.

ويرى رئيس المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بأن ما حدث في السابع من أكتوبر كان من شأنه إعادة التذكير بأن المنطقة لن تهدأ في حال عدم التوصل لحل عادل للقضية الفلسطينية معرباً عن قلقه من أن يتم ذلك على شكل اعتراف بالدولة الفلسطينية دون الاتيان على حدودها ما يعني بأن الأمر سيقتصر على تغير مسمى السلطة الفلسطينية إلى الدولة الفلسطينية مع بقائها على حالها من حيث كونها سلطة فلسطينية وظيفية محذراً من أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية على هذا النحو من شأنه الإضرار بالقضية الفلسطينية لا خدمتها حيث سيعني تكريسا للوضع القائم ما لم تذكر حدود الدولة الفلسطينية وهي حدود الرابع من حزيران 1967.