التفكير الحر حق لكل مواطن عربي

دراسات مختارة

الإمارات وإسرائيل ...عامان من التطبيع: النجاحات والاخفاقات والمسارات المستقبلية

اتفاقيات آبراهام والتي تم توقيعها بصورة رسمية في البيت الأبيض برعاية أمريكية من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب شخصيا في الخامس عشر من سبتمبر 2020م بين إسرائيل من جانب وبين الإمارات والبحرين من جانب آخر في مشهد دراماتيكي لاتزال تثير الجدل حتى الآن.

المركز الخليجي للتفكير تناول هذا المشهد وما أعقبه في دراسة بعنوان " الإمارات وإسرائيل ...عامان من التطبيع: النجاحات والاخفاقات والمسارات المستقبلية".

استهلت الدراسة افتتاحيتها بالإشارة إلى أن دولة الإمارات وعلى إثر هذه الاتفاقية نصبت من نفسها وبجدارة قائدة لقطار التطبيع في المنطقة حيث جرت المغرب ، وحرضت السودان، وحاولت وتحاول إغواء السعودية لتوقيع اتفاقيات التطبيع التي كانت إسرائيل المنتفعة الوحيدة منها –وفقا للدراسة- ولم تضف الكثير لغيرها من الدول عدى أنها جعلت من أراضيها مرتعا لمواطني دولة إسرائيل.

وقد بينت الدراسة المفارقات التي أعقبت هذه الدراسة والتي من بينها أنه كان من بين أهم الأسباب التي دفعت الإمارات إلى التطبيع مع إسرائيل هو أن تكون صاحبة حظوة لدى الإدارة الأمريكية بحيث توافق على بيعها ما لا تسمح ببيعه لغيرها من أسلحة متطورة مثل طائرات ال(F35) لكن العلاقات الإماراتية الأمريكية أصبحت في أسوأ حالاتها مع الإدارة الأمريكية الجديدة.

أما المفارقة الأخرى التي تشير إليها الدراسة فهي ادعاء الإمارات بأن هذه الاتفاقية جاءت لمصلحة الفلسطينيين ولتعزيز موقفهم في حين أن إسرائيل ضاعفت من اعتداءاتها على الفلسطينيين في الفترة الأخيرة لافتة النظر إلى أن الذكرى الثانية لتوقيع اتفاقية أبراهام تأتي على وقع الاقتحامات المتتالية للمسجد الأقصى واستشهاد أكثر من خمسين فلسطينيا في العدوان الأخير على غزة ما يسقط الادعاء بأن هذه الاتفاقيات جاءت لمصلحة الفلسطينيين.

كما وتعرج مقدمة الدراسة على بعض الإنجازات الاقتصادية التي حققتها الدولتان حيث بلغت التجارة البينية بينهما ما قيمته (2.5 مليار دولار) في أقل من عامين وتوقيع (65 صفقة ومذكرة تفاهم ) حتى تاريخ نشر الدراسة، وتحقيق تطور في الجانبين السياسي والأمني.

أما فيما يتعلق بالإخفاقات فقد ذكرت الدراسة أن أولاها وأهمها هي الرفض الشعبي لهذه الاتفاقية، وعدم التوصل إلى رؤية مشتركة في كيفية مواجهة العدو الإيراني.

لقد سعت الدراسة إلى الإجابة عن السؤال التالي : ما مدى نجاح التطبيع في تحقيق أهدافه بعد عامين؟ ، وما هو مستقبل التطبيع والعلاقات بين الدولتين؟ وذلك من خلال تناول العناوين التالية:

أولا: مسارات التطبيع:

  1. المسار الاقتصادي.
  2. المسار السياسي.
  3. المسار الأمني.
  4. مسار توسيع دائرة التطبيع.

 

ثانيا: الإخفاقات:

  1. وقف الاستيطان.
  2. المسار المجتمعي: ترحيب رسمي وتردد شعبي
  3. التحالف الإقليمي لمواجهة إيران.
  4. صفقات منقوصة.

 

ثالثا: المسارات المستقبلية:

المسار الأول: تعاون متزايد وتجاهل الموقف الشعبي

المسار الثاني: تعاون محدود وانتهاء نشوة البدايات

 

أولا: مسارات التطبيع :

تناولت الدراسة في هذا الجزء المسارات التي طالها التطبيع مبتدئة بالجانب الاقتصادي والذي وفقا للدراسة شهد الزخم الأكبر  بين الدولتين حيث تشير الدراسة إلى أن التجارة بين إسرائيل ودول الخليج ومن بينها الإمارات قدرت بنحو المليار دولار سنويا وأن التجارة الثنائية بين الإمارات وإسرائيل ناهزت وحدها المليار دولار  نهاية العام 2021 دون أن يشمل هذا قطاع السياحة والاستثمار.

كما وتنوه الدراسة إلى أن الإمارات وعقب توقيع اتفاقية التطبيع مع إسرائيل مباشرة أعلنت عن نيتها استثمار ما يصل إلى (10 مليارات دولار) في إسرائيل. وكذلك تنقل عن وزير الاقتصاد الإماراتي عبدالله بن طوق المري قوله أن الإمارات تهدف إلى أن ترفع قيمة النشاط الاقتصادي مع إسرائيل لأكثر من تريليون دولار  خلال السنوات العشر المقبلة.

 

أما فيما يتعلق بالمسار السياسي فتشير الدراسة إلى عمق وحيوية اتفاقيات أبراهام في تطبيع العلاقات مع إسرائيل إذا ما قورنت بالاتفاقيات السابقة الموقعة مع مصر والأردن حيث عملت اتفاقية أبراهام على دمج إسرائيل في المنطقة دمجا كليا في حين بقية العلاقات مع إسرائيل عقب الاتفاقيات السابقة باردة وباهتة حتى تكلست.

وكذلك تبين الدراسة بأن زخم علاقات الدول المطبعة مع إسرائيل ضمن اتفاقيات آبراهام كان على حساب دعم القضية الفلسطينية حيث بات التعاطف مع الفلسطينيين وقضيتهم لدى الأنظمة المطبعة فاترا وعلى  استحياء.

وترى الدراسة بأن إسرائيل استثمرت جملة من المتغيرات للتقارب مع بعض الدول الخليجية في مواجهة إيران محددة أبرز هذه المتغيرات بالتالي:

  • تزايد الحديث عن تراجع الدور الأمريكي في المنطقة تمهيدا للانسحاب منها مقابل تركيزها على الصين ومنطقة جنوب شرق آسيا.
  • الاقتراب من العودة إلى الاتفاق النووي بين إيران ودول (5+1) ما يعني رفع الحصار عن إيران وبالتالي زيادة قوتها ونفوذها سيما مع اقترابها من التحول إلى دولة (شبه نووية).
  • تصاعد الهجمات التي يشنها حلفاء إيران (الحوثيون) على المناطق والمنشآت الحيوية في كل من السعودية والإمارات.

وأوضحت الدراسة أن الحيثيات السابقة وغيرها من الظروف والعوامل التي استغلتها إسرائيل الاستغلال الأمثل في محاولة رسم صورة جديدة لشرق أوسط جديد تكون إسرائيل في القلب منه وذلك من خلال عقد مجموعة من اللقاءات لبناء هذا التصور مثل اجتماع النقب الذي عقد بتاريخ 27-28 مارس 2021 والذي كان الهدف منه إنشاء تحالف إسرائيلي عربي برعاية أمريكية لمواجهة مشروع إيران النووي وسياستها الإقليمية فضلا عن تحويل الصراع في المنطقة ليكون صراعا عربيا إيرانيا بعد أن كان صراعا عربيا إسرائيليا.

أما المسار الأمني والذي كان متقدما على جميع مسارات التطبيع فقد بينت الدراسة أنه من ضمن أهداف الإمارات الرئيسية من وراء عملية التطبيع كان الاستفادة من التفوق التكنلوجي الأمني الهائل للكيان الإسرائيلي في الجانب الخاص بالتجسس على وجه التحديد وذلك في وقت مبكر جدا وقبل إعلان عملية التطبيع بشكل رسمي بسبب هواجس الإمارات الأمنية الناجمة عن تقلص الدور الأمريكي في المنطقة تمهيدا للانسحاب منها حيث تحاول الإمارات تعويض هذا الدور.

وتشير الدراسة إلى بعض جوانب التعاون الأمني بين إسرائيل والإمارات والذي تمثل في جزء بسيط منه في شراء برامج التجسس وأشهرها (بيغاسوس) والمنظومات الدفاعية وكذلك الوسائل الاستخباراتية للتنصت والتجسس، وتوثق الدراسة كذلك مجموعة من الاتفاقيات التي وقعت والصفقات التي تمت في هذا السياق.

كما كشفت الدراسة عن عزم أبوظبي وتل أبيب إنشاء قاعدة عسكرية استخباراتية في سقطرى وأن مجموعة من الضباط الإماراتيين والإسرائيليين وصلوا الجزيرة نهاية أغسطس 2020 وأن المجلس الانتقالي الجنوبي تعرض لضغوط كبيرة من الإمارات للموافقة على إنشاء هذه القاعدة.

وبشأن مسار توسيع دائرة التطبيع فقد أشارت الدراسة إلى الوسائل التي اتبعتها أبوظبي لضم المزيد من الدول العربية لقطار التطبيع من ذلك اشاعت فكرت أن استقرار الأنظمة العربية ونيل رضا البيت الأبيض لن يتم إلا بموافقة تل أبيب، والسعي إلى عقد لقاءات سرية بين أنظمة وفصائل وأجهزة عربية وأخرى إسرائيلية مثل جمع رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مدينة عين تيبي الأوغندية، بعد إقناع البرهان بأن هذا الاجراء سيساعد في تسريع رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب الأمريكية.

وكذلك تذكر الدراسة نقلا عن تقارير إسرائيلية أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أجرى محادثات سرية مع رئيس الوزراء الأسبق بنيامين نتنياهو .

 

ثانيا: الإخفاقات

  وتحت هذا العنوان تذكر الدراسة الإخفاقات التالية:

  1. وقف الاستيطان: وهو العنوان العريض الذي سوقت الإمارات عملية التطبيع على أساسه حيث ادعت أن عملية التطبيع كان الهدف منها المحافظة على حل الدولتين وإيقاف ضم إسرائيل للأراضي الفلسطينية ، لكن الدراسة تشير إلى أنه على أرض الواقع تواصلت عمليات الاستيطان وقضم الأراضي الفلسطينية وتوالت الموافقات على بناء المزيد من المستعمرات الإسرائيلية التي تهدف إلى التهام الأرض الفلسطينية وإحالة حل الدولتين إلى وهم. وتقرر الدراسة في ضوء المعطيات على أرض الواقع بأن وضع الفلسطينيين الآن أصبح أسوأ بكثير من وضعهم في 15سبتمبر قبل عامين.  
  2.  العلاقات الشعبية المحدودة على الرغم من الاختراق الكبير الذي حققته الإمارات في هذا الجانب فوفقا للقناة (12 الإسرائيلية) فقد انتقل للعيش في إمارة دبي بشكل كلي ما يصل إلى 1000 إسرائيلي من ضمن 4000آلاف آخرين يعملون في قطاعات عدة وتنقل الدراسة عن وزير السياحة الإسرائيلي يوئيل رازفوزوف أنه في عام 2021 زار الإمارات 250 ألف سائح إسرائيلي. وبالرغم من هذا تشير الدراسة إلى استطلاع للرأي أجراه معهد واشنطن في شهر مارس من العام 2022 توصل إلى أن ثلثي المواطنين في البحرين والمملكة العربية السعودية والإمارات ينظرون إلى "اتفاقيات أبراهام" بصورة غير إيجابية .  
  3. التحالف الإقليمي لمواجهة إيران: حيث تبين الدراسة أن إسرائيل لم تتمكن من بناء تحالف متماسك ضد إيران فحتى الإمارات التي كان أحد مبرراتها للتحالف مع إسرائيل هو مواجهة إيران رفضت الانخراط في حلف علني ضد إيران وأعلنت عن إرسال سفيرها إليها هذا فضلا عن موقف دولة قطر والكويت وعمان الرافض لمثل هذا التوجه.
  4. الصفقات المنقوصة: وتحت هذا العنوان نقلت الدراسة عن موقع (وول ستريت جورنال) أن إسرائيل لاتزال ترفض تزويد أبوظبي بنظام القبة الحديدية .

 

ثالثا: المسارات المستقبلية

وفي هذا السياق تتنبأ الدراسة بمسارين مستقبليين :

المسار الأول: تعاون متزايد وتجاهل للموقف الشعبي حيث تتوقع الدراسة مواصلة التعاون بين دولة الإمارات وإسرائيل لاسيما في الجانب الاستخباراتي مع تجاهل أبوظبي للموقف الشعبي الذي يمكنها السيطرة عليه من خلال قبضتها الأمنية والقوانين المكبلة للحريات.

المسار الثاني: تعاون محدود وانتهاء نشوة البدايات ؛حيث تتوقع الدراسة ضمن هذا المسار أن تجبر التغيرات الإقليمية أبوظبي على مراجعة علاقتها الأمنية وتعاونها الاستخباراتي مع إسرائيل تحت التهديدات الإيرانية وأذرعها في المنطقة .

 

وفي الختام أكدت الدراسة على أن اتفاقات آبراهام تعد من أخطر الاتفاقيات في المنطقة لأنها تحاول دمج إسرائيل في النسيج المجتمعي للمنطقة وأن دولة الإمارات مهما واجهة من تحديات وتعرضت له من إخفاقات بسبب عملية التطبيع إلا أنها ستصر على مواصلة علاقاتها مع إسرائيل والعمل على تطويرها على حساب القضية الفلسطينية.

 


منتدى ثقافي علمي ناطق بالعربية وهو مساحة نتشاركها جميعًا لنتحدث عما يجول في أذهاننا وما نتحدث فيه مع أصدقائنا في ما لا تتطرق له وسائل الإعلام، سواءً كانت فكرة جمعك حولها نقاش مع أصدقائك،.