قدم المفكر العربي عزمي بشارة قراءته لنتائج الانتخابات الأخيرة في إسرائيل والتي فاز فيها بنيامين نتنياهو وحلفاؤه من اليمين الصهيوني المتطرف وأثر هذه النتائج داخليا وخارجيا ، وذلك خلال ا لمقابلة التي أجرتها معه الإعلامية في تلفزيون العربي دينا عز الدين ضمن برنامج تقدير موقف لمحاولة الاجابة عن الأسئلة التالية:
- كيف نجح نتنياهو وحلفاؤه في اليمين الصهيوني بتحقيق هذه النتيجة؟
- لماذا تمت المشاركة العربية عبر ثلاث قوائم متنافسة؟
- ما أثر نتائج الانتخابات في إسرائيل على فلسطين والإقليم والعلاقة مع المجتمع الدولي؟
استهل بشارة حديثة عن حقيقة الأسباب التي أدت إلى هذه النتائج حيث أوضح أن المنافسة كانت بين اليمين واليمين وأن الانتقال كان داخل اليمين نفسه وأن النتيجة كانت انتصاراً لليمين المتطرف والقوى الدينية الصهيونية موضحا حيثيات هذه النتيجة بتقديم شرح موجز عن طبيعة الانتقالات الجديدة التي حصلت حيث تقدم حزب الليكود بواقع مقعدين؛ فبعد أن كان يمتلك (30 مقعدا) بات يمتلك (32 مقعدا) .
أما الحزب الآخر والذي وصفه بالحزب الفاشي الخطير وهو حزب الصهيونية الدينية مضافا له حزب القوى اليهودية فقد حقق تحولا نوعيا في الخارطة السياسية الإسرائيلية وذلك بفوزه بـ (14مقعدا) مقابل (6مقاعد) في المجلس السابق محققا قفزة كبيرة باستحواذه على (8مقاعد) إضافية. ويعزو بشارة هذا التحول النوعي إلى تفكك حزب (بينيت) المسمى ( إلى اليمين أو إلى اليمين دُرْ) وتوزع مقاعده على أحزاب اليمين المتطرف، وفي المجمل يرى بشارة أن ما أضيف إلى تحالف بنيامين نتنياهو وحزب الصهيونية الدينية والقوى اليهودية وصل إلى (10مقاعد)؛ مقعدين إضافيين لليكود وثمانية مقاعد لحلفائه.
ويعتقد المفكر العربي بأن اتساع معسكر اليمين بشكل عام و معسكر بنيامين نتنياهو بشكل خاص غير مفاجئ مشيرا إلى أن الانزياح نحو اليمين بدأ منذ عام 1967 مع اتساع رقعة الأراضي الفلسطينية المحتلة، وفي المقابل يبين بشارة أن هناك اضمحلال بالمعسكر اليساري في إسرائيل مدللا على ذلك بتراجع حزبي العمل وميرتس وظهور قوى جديدة ممثلة لليسار الصهيوني يمكن تسميتها بالقوى اللبرالية العمالية ضمن الإطار الصهيوني تضم الطبقة الوسطى وبعض رجال الأعمال، وبين بشارة أن كل قوى اليسار مضافا لها المقاعد العربية حققت (28مقعدا) بينما ذهبت باقي المقاعد إلى اليمين المتطرف بكل أطيافه.
ووفقا للنتائج السابقة فإن الصراع الذي يخوضه (نتياهو) في رأي المفكر العربي هو بين اليمين واليمين ؛ اليمين الذي يمثله (نتنياهو) واليمين الذي لا يرغب في (نتنياهو) ولكن لا يتناقض معه تناقضا جوهريا ولا يجد بديلا عنه. مشيرا في الهامش إلى أن شخصية (نتنياهو) يظهر أنها شخصية كريهة مفسرا هذا بانشقاق مدراء مكتبه عنه وتشكيل حزب لمنافسته...حيث يظهر وكأن هنالك جانب شخصي في مثل هذه الصراعات.
ويرى بشارة أن المتغير الرئيس في هذه الدورة من الانتخابات يتمثل في صعود الأحزاب الدينية الصهيونية، وتصهين الأحزاب الدينية الأرثوذكسية عازيا هذا إلى السياسة التي اتبعتها حكومات العمال المتعاقبة والتي حولت إسرائيل إلى دولة أمنية يعد الأمن فيها هو أساس كل شيء وكذلك إلى اعتماد الرواية الدينية كأساس في تبرير قيام دولة إسرائيل ما خلق تطابقا بين قيام الدولة والنبوءة الدينية والاعتماد بشكل أساسي على التبريرات الدينية لقيام دولة إسرائيل ولكل الجرائم التي ارتكبت في سبيل ذلك.
وعليه ووفقا لما أورده بشارة سابقا فإن هذان البعدان: الأمن ،والدين في رأيه خلقا حالة من التزاوج بين الصهيونية والفكرة الدينية وبالتالي بدأت تقوى الحركات الدينية الصهيونية والتي نواتها الرئيسة من المستوطنين ؛ وهذه الحركات في رأي بشارة خطيرة جدا لأنها تجمع بين تطرفين: تطرف ديني ، وتطرف قومي صهيوني .
أما بالنسبة لتصهين الأحزاب الدينية الأرثوذكسية فقد أوضح بشارة أن ما أدى إلى ذلك هو انخراطها المتواصل في الحياة السياسية الإسرائيلية سواء برغبة منها أم بإقحامها نتيجة للمساومات السياسية وهذا قادها إلى التصهين ما زاد في رقعة اليمين المتطرف في إسرائيل.
و يعبر بشارة عن تخوفه الشديد من امتلاك معسكر اليمين المتطرف هذا الثقل الكبير في الكنيست والذي وصل إلى (64مقعدا) وذلك بسبب توجهات هذا المعسكر المعادية للفلسطينيين، ولعرب الداخل، والداعمة للاستيطان والذي يسعى إلى تهجيرالفلسطينيين من أراضيهم، وإعلان إسرائيل دولة يهودية لا مكان لغير اليهود فيها.
وفي مقابل هذا يعتقد الدكتور بشارة بأن المجتمع العلماني الإسرائيلي سيقاوم سيطرة اليمين الصهيوني المتطرف على الحياة العامة في إسرائيل من خلال القضاء وذلك لمنع اليمين المتطرف من الاحتكام إلى الروايات الدينية في مجال التشريع سيما تلك التشريعات المتعلقة بقوانين الأحوال الشخصية.
وفيما يتعلق بمشاركة الأحزاب العربية في الانتخابات الإسرائيلية من خلال ثلاث قوائم متنافسة فقد أوضح بشارة بأن هذا الوضع يعكس طبيعة الرؤى التي تحملها هذه الأحزاب حيث يوجد ثلاث وجهات نظر فيما يتعلق بالانخراط بالعمل السياسي للمواطنين العرب في إسرائيل وهي:
أولا: هنالك قوى ضاقت ذرعا بالنضال وبالعمل السياسي الدؤوب خاصة في ظل التطبيع العربي القائم مع إسرائيل حيث ترى هذه القوى أن تنكفئ على الداخل الفلسطيني، وتحاول معالجة قضايا المواطنين العرب في إسرائيل من خلال الدخول في ائتلافات حكومية ، والتأثير من داخل الحكومة الإسرائيلية لتحقيق مكاسب للمواطنين العرب بمنأى عن القضية الفلسطينية، وفي رأيه أن هذه القوى خسرت القضية الفلسطينية ولم تحقق أي تقدم في حياة المواطنين العرب داخل إسرائيل عازيا ذلك إلى كون سياسة التميز الإسرائيلية سياسات بنيوية وأن المكاسب التي يمكن تحقيقها من داخل الاتلاف يمكن تحقيقها من خلال النضال ، والعمل البرلماني ، والمظاهرات...وكافة أشكال النضال الأخرى ، كما استنكر الدخول في ائتلاف مع حكومة تقتل الفلسطينيين وتضيق عليهم وتستولي على أراضيهم وتحاصر الفلسطينيين في غزة وتشن الحروب عليهم معتبرا هذا الاتجاه بمثابة انكسار في ثقافة النضال الفلسطيني.
ثانيا: الأحزاب السياسية التي ترى أن لا تشارك بشكل مباشر في الحكومات الإسرائيلية وأن لا تدخل في ائتلافات معها وإنما تدعم بعض الحكومات دون أن تكون جزءا منها ويمثل هذه القوى الحزب الشيوعي، والجبهة، وغيرها من القوى المتحالفة معها ، وفي رأي بشارة أن هذه القوى لا تختلف اختلافا جوهريا عن سابقتها عدى في مسألة عدم الانخراط المباشر في حكومات إسرائيلية وينسحب عليها ما ينسحب على الأحزاب سالفة الذكر.
ثالثا: وهي القائمة التي تمثل الحركة الوطنية الفلسطينية والتي تنطلق من دعم النضال الفلسطيني والسعي إلى تحقيق مكتسبات للمواطنين العرب في إسرائيل من خلال النضال وليس الانخراط في ائتلافات حكومية إسرائيلية أو دعم أي حكومة وقد حققت نتائج تعكس تعاطف وتضامن المواطنين مع هذا النهج.
وعن تداعيات نتائج الانتخابات على الداخل والخارج بين بشارة بأنه فيما يتعلق بالسلطة الفلسطينية فقد وصلت الأمور المتعلقة بها إلى حالة مزرية حيث ينبذها كل من هو في حكومة إسرائيل وبفوز نتنياهو في الانتخابات لن يغير هذا من الأمر شيئا وسيواصل الضغط على السلطة الفلسطينية.
وبالنسبة للعلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية فيشير بشارة إلى أنها علاقة استراتيجية وأنه مهما كان الرئيس الأمريكي غير راغب بهذه النتائج فإنه وحكومته سيستمران في دعم إسرائيل وفي رأيه أن نتنياهو لن يذهب بعيدا في استفزاز الإدارة الأمريكية بالتعويل على اللوبي الصهيوني لأن هذا اللوبي في معظمه يدعم الحزب الديمقراطي.
وبخصوص الاتفاق النووي مع إيران وبرنامجها النووي وترسيم الحدود مع لبنان فيعتقد بشارة أن ترسيم الحدود مع لبنان لن يتأثر لأنه يصب في مصلحة إسرائيل بالدرجة الأولى وان ادعى نتنياهو في سياق الحملة الانتخابية عكس ذلك أما إيران فسيواصل نتنياهو في رأي بشارة نهجه المعتاد في استفزازها والتحريض عليها والسعي لإجهاض أي اتفاق معها.