يتناول المفكر العربي عزمي بشارة مسألة الهوية بنظرة تأملية محاولا أن يوجد تفسيرا منطقيا لهذا المفهوم الفلسفي وذلك ضمن دراسة نشرها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات تحت عنوان "تأملات في مسألة الهوية" .
حيث يحاول الباحث الخوض في موضوع الهوية وسط مجموعة من المحددات أو المنزلقات وفق وصفه وهي أنه:
- تم توظيف مفهوم الهوية كعنوان عريض يتم إدراج الكثير من الموضوعات أسفل منه دون أن تكون ذات صلة به وإنما يتم إدراجها تحته لغاية محددة لدى من يقوم بهذا. و مثال على ما سبق يذكر الباحث موضوع تعريف هوية الفرد وفقا لدينه أو ما يعرف بالطائفة في حين أن الطائفية في رأيه هي هوية ثابتة عبر الزمن. إلا في حال تسيس الطائفة بغرض تنصيب زعيم موحد لها وهذا ما يتناقض -وفقا لاعتقاد- الباحث مع الإيمان الذي ينبذ العنصرية والتفرقة بين البشر.
- لم تؤخذ هوية الأفراد بعين الاعتبار لأنها ليست طبيعية وثابتة ويعتقد بشارة أن هذا توجه خاطئ حيث لا يستقيم هذا الأمر إذ يرى أن الإنسان بالرغم من إدراكه لذاته إلا أنه يعتبر نفسه جزء من جماعة يشاركها الأفكار والمعتقدات ويعرف نفسه من خلالها.
- تم الخلط بين مسألة الهوية والشخصية الحضارية لشعب أو أمة مع كونهما مفهومان متمايزان .
و أوضح بشارة أنه تبنى في دراسته الافتراضات التالية :
- الهوية بوصفها: أ. وعي الإنسان بذاته والتفكير فيها (مسألة هويته الفردية)، ب. الهوية بمعنى الانتماء إلى جماعة، حيث يرى أنها أيضا هوية فردية ولكنها تسمى هوية جماعية، لأن أساسها هو الانتماء إلى جماعة ولأن العديد من الأفراد يتشاركون بها.
- هنالك إمكانية للتميز بين الهوية الفردية والهوية الجماعية لفهم التداخل بينهما.
- هنالك فرق بين الانتماء إلى جماعة بشرية، وبين التصنيف إلى فئات.
- الهويات ظواهر اجتماعية مهمة ومقررة في حياة البشر.
- هنالك صلة بين الهوية والأخلاق.
- إن وعي الذات الفردية بوصفها كيانًا مستقلاً، ووعي الانتماء إلى الجماعات أو أشكلته، هما ركنا مسألة الهوية في الحداثة.
ثم ينتقل الباحث بعد هذه المقدمة للحديث عن الخلفية النظرية لدراسته مستهلا مبتدئا بتتبع نشأة مفهوم الهوية وتطوره من فكرة التساوي المجرد إلى الهوية الفردية ، والجماعية؛ وهو يرى أن هنالك مجموعة من العلوم تتشارك فيما بينها عند الحديث عن مفهوم الهوية وهي: علم النفس الاجتماعي، و السوسيولوجيا،و الأنثروبولوجيا الثقافية، و السيميولوجيا الاجتماعية.
وبعد هذا التنظير يبدأ بشارة في تتبع أصل المصطلح في أوروبا والعالم العربي وكيف بدأ استخدام مفهوم الهوية ، وما الذي يقصد به عند استخدامه .
يغوص بشارة في أعماق المفهوم محاولا تفسيره والوصول إلى الحد الفاصل بين الهوية الفردية و الهوية الجماعية وكيف يفضي كل منهما إلى الآخر ويؤثر فيه فهو يرى " أن الإنسان المتأمل في أعماق ذاته يمكن أن يكتشف جوهره الإنساني الذي يجمعه ببقيه البشر، وليس فقط فرديته المميزة. هذا الجوهر الإنساني المشترك يشكل أساسًا لقيم أخلاقية كونية ضمن هويته الفردية، وليس أساسًا لجماعة هوية".
لكن الباحث يعود مرة أخرى ويؤكد على أن للإنسان هويات عدة يعرف بها مثل الانتساب إلى عائلته الصغيرة التي يحمل اسمها، أو مدينته التي يعيش فيها، أو المكان (الوطن ) الذي قدم منه.
وينوه بشارة إلى أن تعريفات الهوية تتعدد بتعدد المعايير التي يتم على أساسها تعريف الهوية مستدلا على ذلك بما فعله كارل ماركس وفردريك إنجلز من تصنيف الناس في أوروبا إلى طبقات اجتماعية : الارستقراطيون، والإقطاعيون ، والنبلاء، والفلاحون ...، وهو يعتقد أن هذا التصنيف تآكل مع الوقت ليظهر تصنيف آخر وهو العمال وأصحاب المصانع أما في الحروب فيعتقد بشارة أن تعريف الهوية يعتمد على اللغة ،والإثنية ، والشعور الوطني.
بقاء الهوية واندثارها في رأي الباحث يرتبط بحجم المصلحة التي تتحقق للفرد والجماعة جراءها مبرهنا على ذلك بضرب عدد من الأمثلة على ذلك منها أن هنالك مجتمعات اختفى لديها مفهوم القبيلة حيث لم تعد ذات جدوى في تحقيق مصالح الفرد والجماعة وكذلك بعض الطبقات، والفئات الاجتماعية.
والعلاقة بين الهوية الفردية والهوية الجماعية علاقة ديناميكية في رأي بشارة فالفرد يمكن أن يطرأ على انتمائه تغيرات تنعكس على تعريفه لهويته مثال ذلك خفوت الانتماء إلى القبيلة مقابل الانتماء إلى العقيدة فيصبح الإنسان أقرب إلى مجموعة من الناس لا يعرفهم ولم يلتق بهم من آخرين يعرفهم لكنه لا يشعر بالانتماء لهم.
ويذهب الباحث بعيدا في هذا التعقيد حيث يمكن للفرد أن ينتسب إلى جماعة يشاركها معتقداتها ومن ثم ينسلخ منها دون أن ينسلخ من معتقداته فيعرف نفسه من خلال معتقداته لكنه لا يشعر بالانتماء للجماعة التي تشاركه هذه المعتقدات.
ومن ثم ينتقل الباحث بعد ذلك من الفلسفة إلى علم الاجتماع حيث يذكر أن الهويات "في الحداثة تنقسم إلى هويتين أساسيتين: هوية ذاتية فردية تتلخّص بتعريف الإنسان لذاته وصفاته التي يختارها لكي يعتبرها أساسية في تعريف ذاته، ومنح حياته معنًى على هذا الأساس (وهو ليس السبيل الوحيد الممكن إلى المعنى)، وهوية اجتماعية بمعنى تعريف الإنسان لذاته بوصفه منتميًا إلى جماعة أو جماعات؛ إذ يمكن في المجتمعات المعاصرة الحديث عن هويات اجتماعية للفرد، وليس هوية اجتماعية واحدة".
و يوضح الدكتور عزمي بشارة أن دراسته تعتبر الانتماء إلى جماعة حاجة نفسية لكنها لاتؤدي بالضرورة إلى الشعور بالراحة؛ كما أنها لا تحث على الأخلاق الحميدة دائما؛ فالفرد قد يشعر بالضيق والانزعاج الشديد نتيجة لدخوله في صراع مع قيم المجتمع الذي قد يقمع تفكيره وسلوكياته وكذلك قد تكون قيم الجماعة أساسا لممارسة العنصرية والقهر ضد جماعات أخرى.
وتحت عنوان الذاتية والجماعية كتب بشارة:" إنه الإنسان الذي يرى أن خلف مظهره الخارجي، ودرجة تعليمه، ومستواه المعيشي، نفسًا راضية عن هذا كله، أو غير راضية، مكتفية أو غير مكتفية، حققت ذاتها أو لم تحقق ذاتها... ولكن لديها كرامة، وتستحق على الأقل أن لا تتعرض للإذلال، سواء بالعنف الجسدي أو المعنوي. كما أن الإنسان نفسه قادر على التفكير في انتماءاته إلى أكثر من جماعة واحدة، مثل جماعة المهنة وسكان المدينة ،والطائفة الدينية، والفئة الاجتماعية، التي ينتمي إليها. تنشأ مسألة الهوية من التفكير في هذا التفكير؛ أي التفكير في الذات وأَشْكَلةِ العلاقة بين الذات الفردية والجماعة، ومساءلتها. وتطرح العلوم الاجتماعية أسئلة عن إمكانية وجود ذاتٍ جماعية غير الذات الفردية والحقيقة أنه لا توجد ذات جماعية. فالذات فردية بحكم تعريفها. تتطلب الذات أنا تفكر وتتخذ قرارات أخلاقية. ولا توجد أنا جماعية. أما وجود "نحن" فهو في الذوات الفردية التي تتشارك الانتماء. ويعبر عن هذا التشارك أفعال مشتركة ومؤسسات ورموز ونصوص وغيرها تنتج تصورات لهذه المشتركات وتقوم الذوات الفردية بتذوّته. وإذا جرى ذلك على نحو امتثالي غير نقدي وغير متحفظ، تنشأ إمكانية ذوبان الذات الفردية في ال "نحن"، بما في ذلك في حالات الإتيان بأعمال عظيمة والتفاني والأثرة والتضحية في الدفاع عن الجماعة ورموزها كأنها دفاع عن الذات؛ ولكن ينشأ أيضًا تجييش الناس ضد الآخر، وفي إقصاء الآخرين وحتى الاعتداء على الجماعات الأخرى بوصف الغيرية تهديدًا للهوية؛ احتمال التورط في ارتكاب الموبقات، والفظائع باسم الهوية الجماعية بعد تهميش الذات الأخلاقية. "
ويختم الباحث حديثه في هذا العنوان من دراسته بعقد مقارنة بين كيفية تشكل الهوية قديما وحديثا : قديما حيث يولد الفرد بين جماعة أولية تحدد قيمته، ومكانته الاجتماعية ودوره في الحياة والذي غالبا ما يلازمه طوال عمره إلا في حالات نادرة مثل الصعلكة والثورة على المجتمع ؛ وحديثا حيث فرص الحراك الاجتماعي متاحة بشكل كبير لغير الفرد انتماءاته، وولاءاته، وفئته الاجتماعية.
في خضم حديثه عن صراعات الهوية في المجتمعات يسلط الباحث الضوء على اختلاف معطيات الصراع بين الدول المتحضرة والدول الفقيرة والمتخلفة ؛ ففي الدول المتقدمة والتي يتسع المجال فيها للمطالبة بحقوق الإنسان وحريته تظهر فئة من المجتمع تعتبر نفسها قيمة على معتقدات المجتمع وقيمه وفكره وأنماط حياته وسلوكياته في مقابل فئة أخرى من اليسارين والتنويرين والمتحضرين والذين يطالبون بالحرية والكرامة للجميع كذلك الصراع بين الأوروبين والمهاجرين وأنصارهم من اليسار .
أما في الدول الفقيرة والمتخلفة فكتب بشارة:" وفي البلدان الفقيرة، تلك التي ينحدّر منها هؤلاء المهاجرون، غالبًا ما تُستخدم سياسات الهوية للتعويض عن فقدان الكرامة الشخصية نتيجة للفقر والعوز من جهة، وعدم احترام أجهزة الدولة لحقوق الإنسان من جهة أخرى، بتأجيج الهوية الجماعية والكرامة الوطنية، أو التعويض عن المس بالكرامة الوطنية والسيادة نتيجة لهزائم عسكرية أو فشل السياسات الخارجية أو تبعيتها لدول أخرى، بالتعبئة على الهوية الطائفية أو الدينية. وثمة حالات معلومة، يجري فيها تركيب الهوية الوطنية في مناهج التدريس وفي الإعلام وفي خطابات الأنظمة الحاكمة، وبعض القوى المعارضة، وغيرها لشحن الناس بهوية وطنية إقصائية ضد آخر داخلي يسهل ربطه بمؤامرات خارجية لا تنتهي؛ ما يسهم في تهميش القضايا السياسية والاجتماعية".
ومن ثم يقر بشارة الحقيقة التالية:
" لا شك في أنه لا يمكن أن يقتصر الانتماء الوطني على المدى البعيد على الحقوق والواجبات، وأنه إذا لم تتطور هوية جامعة لا تقتصر على المكانة القانونية للمواطنة، فإنه يصعب تحفيز المواطن للقيام بأيٍّ من واجباته تجاه المجموع، من الالتزام بأخلاقيات العمل ونظافة المرافق العمومية وسلامتها وصولً إلى الدفاع عن بلده في زمن الحرب؛ كما يصعب من دونها الحفاظ على الوحدة الوطنية في زمن الهزات الداخلية، بما في ذلك التمييز بين الدولة ونظام الحكم السائد والذي لا يفترض أن تعني معارضته موقفًا من الدولة."
ويسترسل في ذلك فيقول: "ومن ناحية أخرى، لا تسود قيم وأعراف مدنية بقوة القانون فقط، بل يفضل أن تجمع المواطنين ثقافة قومية تتضمن أعرافًا ونماذج سياسية وثقافية موجِّهة، أو رابطة وجدانية ما وتجمعهم بالدولة )وليس نظام الحكم بالضرورة( بوصفها مؤسسة لازمة للحياة المشتركة وأمن المجتمع وخدمته ولتحويل الفرد إلى مواطن والمجتمع إلى أمة ذات سيادة. لا شك في أنه لا بد من أن يتوافر بُعدٌ ثقافي معنوي وجداني ما لكي تتماسك الهوية الوطنية. قد يكون هذا البعد قوميًا، بحيث يرى المواطنون في الدولة تعبيرًا عنه، ولكنه ليس أمرًا ثابتًا غير متغير فهو يتعرض لضغوط من أعلى (العولمة) ومن أدنى (الأقاليم والأقليات القومية والمهاجرون). وتعمل الدول على إيجاد مشتركات ثقافية، ولا سيما على مستوى نشر اللغة الرسمية، ومناهج التدريس، وتعميم احترام الرموز الوطنية، والطقوس والاحتفالات الرسمي ، والاندماج القومي هو النموذج الغالب على الحداثة، وهو بحد ذاته ليس إملاء فقط، بل تضمّن دائمًا نوعًا من التهجين نشأت عنه ثقافة قومية. ولكنه ليس هو الحل دائمًا، فقد يكون الاندماج الوطني ممكنًا بوجود تعددية قومية. والحد الأدنى في رأيي هو اعتبار مجال سيادة الدولة وطنًا مشتركًا على الرغم من غياب التجانس الإثني أو الديني".
ويختم هذه الفقرة بالقول:" الهوية الجماعية شرط الأخلاق العمومية التي لا تعتمد على وازع الضمير الفردي وحده. ولكنها (الهوية وأزماتها، الانتماء إليها ونقد هذا الانتماء) تشكّل أيضًا الحاضنة لأعظم المنجزات العمرانية، والأدبية، والفنية. وقد تكون من ناحية أخرى بيئة التعصب، وكراهية الآخر، والمحلول الذي تذوب فيه أخلاق الفرد وضميره، والعصبية التي تُحِلّ التصنيفات على أساس الهوية محلّ الحكم الأخلاقي، وأداة توليد استقطابات "نحن" و"هم". والأمر لا يتعلق بالهوية ذاتها، ولا يتعلق بالانتماء وأسس هذا الانتماء، سواء أكان اللغة، أو الإيمان بالأصل المشترك، أو غيره، فهذه في حد ذاتها ليست أمورًا ضارة، بل بنهج القوى الفاعلة والمؤثرة في المجتمع باستثمار الهويات الجماعية في التعامل مع الظروف الاجتماعية والسياسية.
ثم يقر بشارة القاعدة التالية " لا توجد هوية تحررية (تقدمية كما كان يقال) بحكم تعريفها، وأخرى قمعية (أو رجعية) بحد ذاتها. يتوقف الأمر على الظرف التاريخي والعلاقات الاجتماعية والأهداف التي من أجلها يُستَثمَر في الهويات".
بالنسبة للهوية العربية لا يعتقد بشارة أن هنالك أزمة هوية لدى المواطن العربي بالرغم من تحدي العولمة كما أنه لا يعتقد بأن هنالك تناقض بين الهوية الوطنية والهوية القومية حيث يرى أن مواطني الدول العربية يعرفون أنفسهم بالانتساب لأوطانهم و قوميتهم في نفس الوقت فعلى سبيل المثال ووفقا للباحث فإن المواطن التونسي يعرف نفسه بأنه عربي تونسي وكذلك الفلسطيني وحتى في مصر الدولة الأكثر من حيث عدد السكان يعرف المواطن نفسه فيها بأنه عربي مصري ولذلك يشير الدكتور عزمي إلى أن أي صراع بين الهوية الوطنية والهوية القومية في الوطن العربي هو صراع مختلق.
أما بالنسبة للإسلام فيرى بشارة بأنه دين العرب وغير العرب؛ وإذا أعتبر صفة مميّزة لحضارة، فقيل حضارة إسلامية، فإنها في حالة العرب لا تشكل ثقافة منفصلة عن الثقافة العربية، فالعربي في رأيه يتعرّف إلى كل ما هو إسلامي من خلال لغته العربية، ووجدانه العربي لمن شاء. ولذلك يرى بأنه لم تنجح محاولات تهميش البعد العربي في هوية الفرد واستبدالها بانتماء إلى أمة إسلامية، إلا على هوامش المجتمع. فحتى التيار الرئيس لدى الإسلاميين لا يقوم بمثل هذه المحاولة للاستبدال.
وفيما يتعلق بأثر العولمة في الأمة العربية فيذكر بشارة مايلي:"أما بالنسبة للعولمة وأثرها في الحضارة العربية في غياب تيار سياسي قومي عربي قوي، أو على الأقل دولة عربية واحدة وازنة لديها مشروع قومي، فإن القلق يصبح مبررًا، ويتخذ أبعادًا أخرى بالتأكيد. هنا تكمن المشكلة؛ أي في الدول والاقتصاد، وليس في الهوية العربية. ففي غياب مشروع سياسي واقتصادي عربي، ما يتبقى في الحقيقة هو الثقافة العربية بما فيها الأدب، والتربية والتعليم، ووسائل الاتصال والتواصل، وشعور العربي بالانتماء إلى العرب (وقد يكون انتماءًنقديًا)، واعتبار الثقافة العربية جزءًا من هويته الفردية. لكن إذا كان هذا ما تبقى، فهو ليس بقليل على الإطلاق. وفي رأيي، لا تشكل العولمة خطرًا عليه، إذا كانت الثقافة العربية قادرة على التفاعل مع العولمة، بوصفها فاعلاً وليس متلقيًا فقط. ولإدراك هذه الحقيقة، لا بد من التحرر من وهم بعض تيارات الأنثروبولوجيا الثقافية وتعاملها مع الهوية بوصفها هي هي، ظاهرة غير متغيرة مساوية لذاتها.وهو تعريف الهوية الابتدائي الذي لا يصلح إلا في الرياضيات والأفكار المجردة".
وفي نهاية الدراسة يصل الباحث إلى النتيجة التالية:
" لم تتحول الهوية الوطنية المرتبطة ببناء الدولة الحديثة في بلداننا إلى هوية ثقافية مشتركة؛ فهي تقوم على المواطنة أساسًا، وإذا كانت المواطنة ذاتها ضامرة فقيرة بالحقوق والواجبات، فإن جسر الانتماء هذا إلى الدولة يتضعضع. وأما المشتركات الثقافية الضرورية لتعزيز الهوية الوطنية، فتنشأ بالتدريج وتتعزز بالتنشئة المدرسية، ونتيجة للعيش المشترك في دولة والشعور بالانتماء إليها، بدءًا من احترام رموزها وطقوسها الوطنية، وحتى تشجيع فريق كرة القدم الوطني، وليس بالتميّز المفتعل ونفي الآخرين".