"كتاب صفقة ترامب-نتنياهو : الطريق إلى النص، ومنه إلى الإجابة عن سؤال ما العمل" للدكتور عزمي بشارة والصادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات و نشرت الطبعة الأولى منه في أبريل2020 يحاول الكاتب فيه تتبع الأحداث وصولا إلى إعلان الإدارة الأمريكية في 28/كانون الثاني /يناير2020، تفاصيل الشق السياسي لما سمته " صفقة القرن" التي اعتبرتها خطتها لحل الصراع الفلسطيني –الإسرائيلي، وذلك بعد ثمانية أشهر على نشر واشنطن الشق الاقتصادي من الخطة بعنوان "السلام من أجل الازدهار" ، وذلك خلال ورشة عمل عقدت بالعاصمة البحرينية المنامة، في حزيران /يونيو2019.
في هذه الدراسة يوجز عزمي بشارة بداية تاريخ المبادرات الأمريكية منذ عام 1967م ليبين الخطورة والمنعطف اللذين تمثلهما المبادرة الأخيرة واللذين لا ينبعان من مضمونها نفسه فقط؛ بل كذلك من كونها طرحت باسم رئيس الولايات المتحدة الدولة التي احتكرت رعاية ما يسمى عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين منذ توقيع ما عرف بـ"اتفاق أوسلو" عام 1993م . ومع أن هذه الوثيقة ليست اتفاقا أو معاهدة ، وهي ليست ملزمة لأحد ولا حتى لأي رئيس أمريكي مقبل، بل هي مجرد مبادرة مكمن الخطورة فيها أنها تمثل تبني الإدارة الأمريكية لمواقف اليمين الإسرائيلي وبالتالي الموافقة على وقائع أوجدها الاحتلال على الأرض بالقوة.
يفكك بشارة نص الوثيقة نفسها التي يسميها صفقة "ترامب-نتنياهو لتصفية القضية الفلسطينية " ويعالج سريعا المسار الذي أوصل القضية الفلسطينية إلى هذه النقطة تحديدا، ثم يطرح السؤال: ما العمل؟ مستعرضا التغيرات التي طرأت على القضية الفلسطينية واستراتيجيات العمل من أجل العدالة في فلسطين وفقا للظروف الجديدة ؛ ليختم جهده بقسم أخير يؤكد ثبات الرأي العام في الوطن العربي على رفض التطبيع مع إسرائيل فاضحا التزييف الكبير لعرابي التطبيع ورواياتهم المتهافتة. وذلك في رحلة سريعة -غير مخلة- في أجزاء الكتاب الأربعة والتي حملت العناوين التالية:
أولا: تحليل نقدي للنص.
ثانيا: معالجة سريعة للمسار الذي أوصل القضية الفلسطينية إلى هذه النقطة تحديدا.
ثالثا: ما العمل؟
رابعا: الرأي العام العربي.
في الجزء الأول من الدراسة يسرد بشارة بشكل متسلسل تتابع الأحداث التي قادتنا إلى هذه النهاية الكارثية والمتمثلة بإعلان هذه الصفقة التي نسخت كل ما قبلها من مبادرات وطروحات ولم تستند إلي أي منها كما أنها لم تلتفت إلى القرارات الدولية التي انطلقت منها المبادرات السابقة ؛ في تماه متجرد من الخجل مع رواية اليمين الإسرائيلي.
يتوقف بشارة عند بعض المحطات المتمثلة بالأحداث الأخيرة التي تركت تداعياتها على المنطقة والتي كان لها بالغ الأثر في الوصول إلى إعلان هذه الصفقة وأهمها حرب الخليج الثانية (7آب/أغسطس 1990- 28/شباط/فبراير 1991)، وأحداث 11 سبتمبر 2001 " مهاجمة مركز التجارة الدولية في منهاتن بالولايات المتحدة الأمريكية واتهام القاعدة بتنفيذ هذا الهجوم ، والصراع الفلسطيني الفلسطيني بين أكبر حركتين فلسطينيتين فتح وحماس 2007، ومن ثم ثورات الربيع العربي أواخر عام 2010 وبداية عام 2011 ولايزال بعضها مستمرا حتى الآن.
خلاصة نتائج هذه الأحداث وما سبقها وفقا للدراسة تمثل في الآتي:
- انعدام الثقة بين الأنظمة العربية.
- انطلاق ما عرف بمحادثات السلام العربية الإسرائيلية.
- حصر مسؤولية حل القضية الفلسطينية بالفلسطينيين.
- إنشاء ما عرف بالسلطة الفلسطينية بناء على اتفاق "أوسلو 1993".
- سقوط بعض الأنظمة العربية وتصدع أخرى.
- التغول الإيراني في المنطقة: العراق، واليمن، ولبنان، وسوريا.
- بحث الأنظمة العربية عن أي ضامن لاستمرارها في الحكم.
- العمل على استئصال تيار الإسلام السياسي.
ويرى بشارة أن الولايات المتحدة الأمريكية قد شرعت بتنفيذ الصفقة قبل الإعلان عنها آخذة بنصيحة عدد من الأنظمة العربية التي شجعتها على عدم الالتفات إلى الرأي العام العربي مثل دولة الإمارات العربية المتحدة التي تذكر الدراسة أن هنالك أكثر من مؤشر على تورطها في تشجيع الإدارة الأمريكية على هذه الخطوة والتي كان سفيرها على رأس الحاضرين عند الإعلان عن الصفقة.
يدلل الكاتب على بدء الإدارة الأمريكية تنفيذ الصفقة قبل الإعلان عنها بجملة الإجراءات التي بادرت بتنفيذها على أرض الواقع وهي:
أولا: وقف تمويل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين " الأونوروا" (UNRWA) ما يعني عمليا وقف الاعتراف بوجود قضية لاجئين فلسطينيين.
ثانيا: نقل السفارة الأمريكية من "تل أبيب" إلى القدس في كانون الأول/ديسمبر2017.
ثالثا: طرد بعثة منظمة التحرير من واشنطن.
ووفقا لما سبق يعتقد الكاتب بأن هذه الخطوات أنهت ما أطلق عليه في أوسلو1993 قضايا الحل الدائم وهي: الحدود ، والاستيطان، والقدس ، واللاجئين. ودفعت محمود عباس للقول: " لا يوجد شيء أتفاوض عليه" وهنا يعرب بشارة عن دهشته بأن عباس على الرغم من إدراكه لحقيقة ما آلت إليه الأمور إلا أنه يصر على التفاوض مع يقينه أن هذا بات عملا عبثيا.
ويواصل بشارة تحليله النقدي للنص ليستخلص ما يلي:
- تتبنى وثيقة الصفقة السردية الإسرائيلية التي تحتكر دور الضحية.
- تتضمن الرؤية التي قامت عليها العديد من المغالطات المدسوسة في النص ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
- يجب الاعتراف بأن دولة إسرائيل قد انسحبت بالفعل من 88% من الأراضي التي استولت عليها عام 1967م والمقصود بذلك انسحابها من سيناء الذي تم بناء على عملية السلام بين مصر وإسرائيل.
- اعتبار اليهود الذين هاجروا إلى إسرائيل من الدول العربية لاجئين وذلك لوضع قضيتهم مقابل قضية اللاجئين الفلسطينيين.
- ادعاء بأن دولة فلسطين سوف تستفيد من مينائي حيفا وأسدود في إسرائيل وهذا هو الوضع القائم حاليا والذي تستفيد منه إسرائيل من خلال وضع رسوم على البضائع المصدرة لفلسطين.
وفي الجزء الثاني الخاص بسؤال: كيف وصلنا إلى هنا؟ تعود بنا الدراسة إلى أصل المشكلة و تعقيداتها والعوامل التي أسهمت في إنتاج هذا الوضع فتبرهن أن أصل المسألة اليهودية هو تصديرها للشرق الأوسط من قبل أوروبا والغرب عموما فضلا عن هذا استخدام الأنظمة العربية القضية الفلسطينية بطريقتين هما:
- رفع المواجهة مع العدو الصهيوني فوق القضايا الداخلية أي جعلها ذريعة للاستبداد والبطش بالمعارضة وخنق الحريات وانتشار الفساد بحجة أن الأولوية لمواجهة العدو الصهيوني "لأصوت يعلو فوق صوت المعركة".
- في تحسين علاقتها مع الغرب ومجاملته على حساب الشعب الفلسطيني وذلك بغض الطرف عما يحصل في فلسطين للحصول على الدعم الأمريكي والأوروبي اللازم لاستمرارهم في الحكم .
و يرى بشارة أنه بالإضافة إلى ما سبق هنالك جملة من أخطاء القيادة الفلسطينية قادتنا إلى هذا الوضع منها على سبيل المثال لا الحصر: حل الوفد الفلسطيني –الأردني المشترك ما أدى إلى توقيع الأردن اتفاق سلام منفصل "وادي عربة" وسهل استفراد إسرائيل بالفلسطينيين. والخطأ الثاني هو الاتفاق الفلسطيني الإسرائيلي المنفرد بحيث باتت القضية قضية تخص الفلسطينيين وحدهم، وتوالت هذه الأخطاء بتوقيع اتفاقية أوسلو والتي أوجدت ما عرف بعد ذلك بسلطة الحكم الذاتي أو السلطة الفلسطينية والتي اختزل دورها في حماية أمن اسرائيل وإعفائها من تكاليف الاحتلال والذي وصفه اليهود أنفسهم باحتلال "ديلوكس ". وتغول السلطة على منظمة التحرير الفلسطينية ما أفقدها شرعيتها وأنهاها عمليا بحيث لم تعد ممثلة لكافة أطياف الشعب الفلسطيني وقواه.
وتنتقل الدراسة إلى سؤال ما العمل؟
وتجيب الدراسة على هذا السؤال بضرورة إعادة تصويب الواقع باعتبار قضية فلسطين هي قضية تحرر من واقع الاحتلال، والشتات، والتمييز العنصري في آن واحد، والتحرر من واقع التشظي الفلسطيني . وهنا يكون المطلوب صياغة استراتيجية التحرر وأهدافه، وليس اقتراح الحلول والخصم هو "الأبارتهايد" في فلسطين بحيث يكون خطاب هذا النضال ديمقراطيا، حيث لا يمكن خوض نضال من أجل العدالة بخطاب استبدادي أو بمناصرة مستبد ودكتاتور مثل النظام السوري أو النظام المصري . وهنا يوضح بشارة أنه ليس علينا كفلسطينيين أن نخاصم هذه الأنظمة بل يمكننا أن نلتزم الصمت حيث سيقدر الجميع سبب هذا الصمت ويلتمس عذرا للفلسطينيين.
وفي نهاية الكتاب يورد بشارة دراسة تحت عنوان الرأي العام العربي والقضية الفلسطينية يستعرض فيها أهم النتائج التي توصلت إليها دراسة المؤشر العربي والذي يعد أشمل استطلاع للرأي العام العربي ويمكن تلخيص أهم نتائجه على النحو التالي:
- يكاد يجمع الرأي العام العربي على اعتبار القضية الفلسطينية قضية عربية بالدرجة الأولى وليست قضية تخص الفلسطينيين وحدهم.
- يجمع الرأي العام العربي على رفض الاعتراف بإسرائيل.
- لا يعتبر الدين سببا في رفض الاعتراف بدولة إسرائيل وإنما أسباب ذلك ترجع إلى كون إسرائيل دولة تميز عنصري و استعمار واحتلال واستيطان ودولة توسعية تسعى إلى الهيمنة أو تستهدف احتلال بلدان في الوطن العربي وسرقة ثرواته وأنها دولة ارهابية تدعم الارهاب ومواصلتها تشتيت الفلسطينيين، واستمرارها في اضطهادهم ،ولكونها كيانا يتعامل مع العرب بعنصرية وكراهية.
- والأهم من كل هذا أنه منذ عام 2011 (تاريخ أول استطلاع للرأي العام العربي عبر المؤشر العربي) وحتى 2020 لم يطرأ تغير على الرأي العام العربي فلا تزال الأغلبية العظمى منه ترفض التطبيع مع الكيان الصهيوني ما يكذب رواية الأنظمة التي تروج للتطبيع وأن الرأي العام العربي الذي يضع القضية الفلسطينية على رأس أولوياته يرى أن أهم المعضلات التي تواجه بلدانه هي معضلات اقتصادية تتعلق بالبطالة والفقر وتدهور المستوى المعيشي أو عدم الاستقرار السياسي أو غياب الأمان .