في محاضرة للمفكر العربي عزمي بشارة بعنوان "الشعبوية والأزمة الدائمة للديمقراطية"ضمن فعاليات المدرسة الشتوية التي يعقدها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بعنوان "الشعبوية: أنماط ونماذج " أكد الدكتور بشارة على أهمية الاتفاق على تعريف محدد لظاهرة الشعبوية بحيث يتم تميزها عن غيرها من الظواهر والتيارات وبطريقة لا يندرج معها أي عمل ذا طابع شعبي تحت هذا المصطلح. كما أوضح أنه لا يعتبر الشعوبية (أيديولوجيا) بحد ذاتها وان كان فيها بعض الجوانب الأيدولوجية وعليه يعرف الشعبوية على أنها خطاب له جوانب أيدولوجية . وهو يرجع تاريخ استخدام هذا المصطلح إلى الخمسينيات من هذا القرن حيث برز استخدامها من قبل الأنظمة العسكرية التي سادت دول العالم الثالث بعد زوال الاستعمار مثل الظاهرة (البيرونية) في أمريكة اللاتينية، والظاهرة الناصرية في المشرق العربي ، وظاهرة (سوكارنو) في إندونيسيا، كما يشير إلى وجود ظواهر أخرى في إفريقيا على نفس منوال هذه الأنظمة العسكرية التي اعتبرت أن مصدر شرعيتها هو الشعب وهو الذي يعطيها الحق في اتخاذ خطوات تحديثية. وهو يرى بأن هذه الأنظمة قد انتهت ولم يعد لها وجود سوى بقايا خافتة مثل النظام في فنزويلا على سبيل المثال.
ويبين بشارة أن الشعبوية غالبا ما كانت مفيدة في تطوير الديمقراطيات الراسخة أما في الديمقراطيات الوليدة فإن الشعبوية تمثل خطرا حقيقيا عليها خاصة في ظل عدم ترسخ قيم الديمقراطية شعبيا في أوساط واسعة و في ظل وجود عدم التزام في المؤسسات غير المنتخبة وأهمها الجيش والقضاء بالمبادئ الديمقراطية ولذلك في هذه الحالات تصبح الشعبوية خطرا حقيقيا على الديمقراطية مدللا على ذلك بما حصل في إيطاليا و في ألمانيا وفي غيرهما من الديمقراطيات سابقا ، وما يحصل في هنغاريا و بولندا في الوقت الراهن.
تونس كنموذج
يعتقد الدكتور عزمي بشارة أن الدولة التونسية في حالتها الراهنة تعتبر أفضل مثال للحالة الشعبوية حيث استخدم الرئيس التونسي قيس سعيد خطابا شعبويا مقابل البرلمان والإجراءات الديمقراطية العينية. كما ويحدد الأسباب التي أدت إلى انتاج هذا المشهد على النحو التالي:
أولا: خيبة الأمل التي مني بها الشعب التونسي بعد عشرة سنوات من الثورة إذ لا تزال الفجوة كبيرة بين الأغنياء والفقراء ولا تزال نسبة البطالة مرتفعة بحيث لم يطرأ أي تحسن على الوضع الاجتماعي للمواطن التونسي الذي كانت القضية الاجتماعيةفي صميم ثورته.
ثانيا: فقدان الثقة في البرلمان والنخب السياسية نتيجة لتقديم المصالح الشخصية والحزبية لهذه النخب على مصلحة المواطن التونسي هذا فضلا عن تشظي الأحزاب والتباطؤ في تشكيل ائتلافات فاعلة تحت القبة مما عطل عمل البرلمان.
ثالثا: استبدال مصطلحات مثل الاستغلال السياسي والسياسات الخاطئة والتخطيط السياسي والنظام الطبقي بكلمة الفساد بحيث بات يتخيل أن الفساد هو من يقف وراء كل حالات الاختلال في المجتمع وليس البرامج السياسية الفاشلة.
ويخلص بشارة إلى أن الأسباب السابقة وغيرها أدت إلى ترشيح شخص غير معروف وليس له ماض سياسي أو أي ماض للانتخابات بحيث كان أهم سبب لانتخابه ليس ما فيه وانما ما ليس فيه وهو أنه ليس سياسيا وليس رجل أعمال وليس له أي تجربة أي أنه انتخب لكل الأسباب الخاطئة التي تجعل شخصا يقود بلادا هذا الشخص يختزل برنامجه السياسي في خطاب يقوم فيه باستعداء الشعب على بعضه البعض في سياق خطاب شعبوي يحرض فيه الشعب على النخب السياسية ورجال الأعمال الذين هم في الأساس جزء من الشعب دون أن يمتلك أي برنامج سياسي من شأنه أن ينقذ البلاد من حالة الانهيار التي تشهده والذي يساهم خطابه بشكل أساسي فيها.