التفكير الحر حق لكل مواطن عربي

دراسات مختارة

روسيا وأوكرانيا وحلف الناتو:تأملات في الإصرار العجيب على عدم تجنّب المسار المؤدي إلى الحرب

نشر المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في 27شباط/فبراير ،2022 دراسة للدكتور عزمي بشارة بعنوان  " روسيا وأوكرانيا وحلف الناتو:تأملات في الإصرار العجيب على عدم تجنّب المسار المؤدي إلى الحرب" تناول فيها الأزمة الأوكرانية من خلال أربعة محاور هي:

  1. المأزق
  2. عقدة بوتين وعقيدته
  3. عن توسع الناتو
  4. مسارات تاريخية متعرجة

حيث يرى بشارة بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يعمل وفق أجندة واضحة أعلنها عام 1999م وعرفت باسم "رسالة الألفية" وكان عنوانها " روسيا على عتبة الألفية الجديدة" حيث حدد هدفه الاستراتيجي باستعادة مكانة روسيا كدولة عظمى بعد تفكك الاتحاد السوفيتي عام 1991م، وقد جاء التدخل الروسي في جورجيا عام 2008م كخطوة أولى في ترجمة هذه الرؤية على أرض الواقع تلى ذلك ضم شبه جزيرة القرم عام 2014م ودعم الانفصاليين في شرق أوكرانيا ومن ثم التدخل في سوريا 2015م .

ووفقا للدراسة فقد حذر الرئيس الروسي  منظمة حلف شمال الأطلسي "الناتو وحتى الاتحاد الأوروبي في بروكسل من مواصلة توسيع نفوذهما في جمهوريات تعتبرها روسيا ضمن مجالها الحيوي، وتحديدً في أوكرانيا وجورجيا ومولدوفا مطالبا الرئيس الأمريكي جو بايدن بتعهدات وضمانات أمنية واضحة و منذرا إياه بحشد جيش ضخم على الحدود الأوكرانية ومن ثم الاعتراف بالجمهوريتين الانفصاليتين دونيتسك ولوغانسك وذلك في 21 شباط/فبراير 2022 ، ثم الحرب الفعلية التي بدأت بتغطية جوية وصاروخية لتحرك الانفصاليين على الأرض لاحتلال كامل إقليم الدونباس شرق أوكرانيا ثم اقتحام الجيش الروسي مناطق أخرى في أوكرانيا.

ويعتقد الباحث أن تطور الأحداث بهذه السرعة عائد إلى تحول في الأولويات الاستراتيجية لروسيا حيث لم تعد استراتيجية الأمن القومي الروسي 2021م تكترث بالحوار مع "بروكسل" كما هو في استراتيجية 2015م  وعليه فقد طلبت موسكو من الولايات المتحدة الأمريكية  تعهدات بوقف توسّع حلف الناتو شرقًا وتجميد توسيع البنى التحتية له، مثل منظومات السلاح والقواعد العسكرية، في أراضٍ سوفيتية سابقة، ووقف تزويد أوكرانيا بالمعدات العسكرية، ووقف نصب الصواريخ المتوسطة المدى في أوروبا وقد رفض الرئيس الأمريكي هذه المطالب رفضا باتا معتبرا إياها "مطالب متطرفة".

تعتبر الدراسة أن هذا الرفض لم يكن مبررا للأسباب التالية:

أولا: أن هذه المطالب، كانت قابلة للتفاوض.

 ثانيًا: أنه يمكن تصور تقديم مثل هذه المطالب من طرف أي دولة تعد نفسها دولة عظمى بشأن نشاط أحلاف عسكرية ليست عضوًا فيها على حدودها.

ثالثًا: لأن هذه المطالب أقل تطرفًا من خيار الحرب. كما أن هناك فرصة للتفاوض لتفعيل اتفاقات "مينسك" المغطاة شرعيًا من الأمم المتحدة.

 

ويعتقد الدكتور بشارة أنه لا يوجد منطق محدد يحكم السياسات العامة للدول يمكن القياس عليه وأن البعد الشخصي يلعب دورا كبيرا في القرارات التي يتخذها القادة وليس فقط بعد المصالح ويمكن النظر إلى التدخل السوري في لبنان من قبل حافظ الأسد ومن ثم ابنه بشار (1976 وحتى 2005) وغزو صدام حسين للكويت 1990م وحتى التدخل الروسي في سوريا من هذا المنظار بل ان الأخير  -وفقا للباحث-أكثر تطرفا حيث تبعد سوريا آلاف الأميال عن الحدود الروسية ما يعني أنها لاتمثل أي تهديد للأمن القومي الروسي.

كما يذكر بشارة أنه لم يكن أمام بايدن الذي يواجه الكثير من الضغوط الداخلية إلا أن يرفض مطالب موسكو خشية أن يتهم  بالتساهل معها وهي نفس التهمة التي عيّر بها سلفه ترامب، وفي المقابل فإن الخيار العسكري في شرق أوروبا هو الآخر لا يلقى أي قبول من قبل الناخبين في كلا الحزبين الأمريكيين. وعليه لم يكن أمام الرئيس الأمريكي إلا أن يناور ويصعد سياسيا مستخدما سلاح العقوبات الاقتصادية و وفقا للدراسة فقد كان من المتوقع بالنسبة لبوتين أن يلجأ بايدن ودول الاتحاد الأوروبي إلى هذا الخيار لكنه قدم مصلحة روسيا في السيطرة على أوكرانيا على العقوبات الاقتصادية التي يعتقد أنها ستتضاءل تدريجيا حتى تختفي نهائيا في آخر المطاف حيث لا يمكن الاستغناء عن ما تصدراه روسيا وأوكرانيا من غاز وقمح.

و تشير الدراسة إلى أنه قد يبدو ظاهريا أن لروسيا أفضلية على الولايات المتحدة في أربعة جوانب هي:

أولا: الإمساك بزمام المبادرة، في حين أن حلف الناتو في حالة ردة فعل.

ثانيًا: القرب الجغرافي من أوكرانيا.

ثالثًا: عدم وجود معارضة حزبية ديمقراطية حقيقية، تواجه سياسات الرئيس خلافا للدول الغربية، حيث توجد معارضات فاعلة ورأي عام حي لا بد من أخذه في الاعتبار.

رابعًا، وهو الأهم: الاستعداد للتورط المسلح في أوكرانيا، في حين أن الناتو يعلن صراحة أنه لا يريد التدخل، وأنه ملتزم بالدفاع عن أعضاء الحلف فقط.

إلا أن هذه الامتيازات ستتضاءل أهميتها مع طول فترة الحرب التي يسعى بوتين جاهدا إلى تقليصها سيما أن سياسات القوة التي يتبعها في الداخل والخارج تثير نفور أوروبا كلها، إلى درجة أن بعض الدول المحايدة تقليديًا بدأت تلمّح إلى احتمال أن تطلب الانضمام إلى حلف الناتو. من هذه الناحية، خابت حسابات بوتين. وربما تخيب حساباته الأخرى إذا ثبت أن العقوبات أكثر تأثيرًا مما يعتقد، وإذا واجه مقاومة شديدة ومتواصلة في أوكرانيا.

 

وتنتهي الدراسة إلى خلاصة مفادها أنه على الرغم من أن نذر الحرب واجتياح روسيا لأوكرانيا كانت دلالاتها لا تخطئها العين حتى كادت الولايات المتحدة الأمريكية أن تحدد وقتها بدقة إلا أن كلا الطرفين لم يبذل أي جهد لتجنبها فكانت الضحية هي أوكرانيا.  


منتدى ثقافي علمي ناطق بالعربية وهو مساحة نتشاركها جميعًا لنتحدث عما يجول في أذهاننا وما نتحدث فيه مع أصدقائنا في ما لا تتطرق له وسائل الإعلام، سواءً كانت فكرة جمعك حولها نقاش مع أصدقائك،.