التفكير الحر حق لكل مواطن عربي

دراسات مختارة

لماذا لاتوجد ديمقراطية عربية؟

لاري دايموند هو زميل أول في مؤسسة هوفر ومعهد فريمان سبوغلي في جامعة ستانفورد، ومدير مركز ستانفورد للديمقراطية والتنمية وسيادة القانون. من بين كتبه "روح الديمقراطية: النضال من أجل بناء مجتمعات حرة في جميع أنحاء العالم" (2008). وهو أحد المؤسسين المشاركين في تحرير مجلة الديمقراطية التي تصدر في الولايات المتحدة الأمريكية.

لقد حاول دايمون في هذه الدراسة الوقوف على أسباب عدم وصول المد الديمقراطي للعالم العربي وتكمن أهمية دراسته هذه في أنها تمثل استشرافا للمستقبل ولا زالت معطياتها قائمة حتى الآن حيث توقع كاتبها انفجار المنطقة على اثر تطور وسائل التواصل الاجتماعي والذي تم بالفعل في العام 2011 أي بعد عام واحد على نشر الدراسة كما تنبأ أيضا بالثورات المضادة التي قادتها الأنظمة المستبدة لإجهاض تطلع الشعوب العربية نحو الحرية والديمقراطية.

في هذه الدراسة يقول دايموند : " خلال (الموجة الديمقراطية الثالثة)، لم تعد الديمقراطية ظاهرة غربية بشكل رئيسي و"انتشرت عالميًا". عندما بدأت الموجة الثالثة في عام 1974، كان هناك حوالي 40 ديمقراطية فقط في العالم، وقليل منها كان خارج العالم الغربي. ولكن بحلول عام 1990، ومع أول نشرة من مجلة الديمقراطية ، كان هناك 76 ديمقراطية انتخابية (تمثل قرابة نصف دول العالم المستقلة). و بحلول عام 1995، ارتفع هذا العدد إلى 117دولة، أي ثلاث دول من كل خمس دول. وفي تلك الفترة، باتت هناك كتلة نوعية من الديمقراطيات في كل منطقة عالمية رئيسية ما عدا منطقة واحدة هي منطقة الشرق الأوسط. وعلاوة على ذلك، أصبحت كل منطقة ثقافية رئيسية في العالم لها نموذج ديمقراطي بارز، باستثناء منطقة واحدة مرة أخرى وهي منطقة العالم العربي. وبعد خمسة عشر عامًا، لا يزال هذا الاستثناء قائمًا".

وعليه يرى الكاتب بأن منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي هي الاستثناء وليس الأصل في ما عرفه بأنه (الموجة الثالثة للديمقراطية) والتي أصبحت فيها الديمقراطية من وجهة نظره هي الأصل وليس الاستثناء وعليه أصبح هذا الموضوع مثاراً للتساؤل والبحث فلماذا لا توجد ديمقراطية عربية؟ بل ولماذا هذا هو الحال بالنسبة للدول العربية المستقلة الست عشرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الساحلية، حيث لبنان هي الدولة الوحيدة التي سبق وأن كانت ديمقراطية؟  

يحاول الكاتب الإجابة على هذا السؤال وإيجاد تفسير لهذه الظاهرة مفنداً الافتراضات التي حاولت إيجاد تفسير لها ؛ من ذلك الادعاء بأن للدين الإسلامي دور في تعضيد الأنظمة الديكتاتورية في المنطقة وأن لبنان كانت تتجه إلى الديمقراطية بسبب نسبة المسيحيين الموجودين فيها لكن الكاتب يرى أن هذا الادعاء لا أساس له حيث أن المسيحيين موجودين في أغلب الدول العربية: مصر، الأردن، فلسطين، سوريا، العراق ...وبالرغم من ذلك فإن هذه الدول لم تشهد أي شكل من أشكال الديمقراطية.

وهنالك من يدعي أن سبب انعدام الديمقراطية في العالم العربي هو الجانب الاقتصادي ولكن هذا الادعاء لا يصمد أمام الواقع فهنالك العديد من الدول التي لحقت بركب الديمقراطية ذات اقتصاد هش وفي المقابل هنالك العديد من الدول العربية الغنية ولكنها في المقابل غير ديمقراطية. وفي العالم العربي أيضا هنالك دول غير نفطية وذات اقتصاد ضعيف وهي أيضاً غير ديمقراطية مثل: مصر ، والأردن، والمغرب، وتونس !

وتحت عنوان (الدين والثقافة) قال دايموند:" كما أظهر ألفريد ستيبان وغراهام روبرتسون في هذه الصفحات، هناك فجوة كبيرة في "الديمقراطية" بين الدول في العالم، ولكنها في العالم العربي أكثر اتساعاً فالفجوة بين الدول العربية ومؤشرات الديمقراطية كبيرة باعتبارها دولا عربية وليس دولا "مسلمة"؛ عند مقارنة الدول التي تمتلك الغالبية المسلمة باللغة العربية بـ 29 دولة مسلمة أخرى، يجد ستيبان وروبرتسون بين الأخيرة عددًا من الدول (بما في ذلك ألبانيا ،وبنغلاديش، وماليزيا، والسنغال وتركيا) ذات سجلات معتبرة في تطور الحقوق السياسية الديمقراطية بشكل معقول لمواطنيها. وفيما يتعلق بالدول العربية، الدولة الوحيدة التي تتوافق مع هذا الوصف هي لبنان قبل الحرب الأهلية التي بدأت في عام 1975. وعلاوة على ذلك، عند مراعاة مستوى الحقوق السياسية التي يمكن التنبؤ بها من مستوى الدخل للفرد، يجدون العديد من "المفوضين الانتخابيين" بين الدول ذات الأغلبية المسلمة التي ليست بالغالبية العربية، ولا يوجد واحدة بين الدول العربية" .

وهنا يعرج الكاتب على تفسيرات بعض المفكرين الغربين لظاهرة انعدام الحرية في العالم العربي مثل ما ذهب إليه (المؤرخ البريطاني إيلي كيدوري) حيث ادعى في عام 1992 أن المنطقة العربية ذات تاريخ من الاستبداد وقد اعتادت على هذا لكن هذا الرأي لا يصمد إذا ما قارناه فيما كان قائما في معظم الدول الإفريقية والآسيوية حيث عانت هذه المنطقة من مستويات غير مسبوقة من الاستبداد وبالرغم من ذلك تحاول الآن اللحاق بركب الديمقراطية بسرعة كبيرة!

ويفند دايموند ادعاء البعض بأن التقسيمات الطائفية والعرقية هي العقبة الكأداء أمام الديمقراطية بضرب مثل في كل من لبنان والعراق اللتان بتتا تعدان الأقرب إلى الديمقراطية من غيرهما من الدول العربية في حين أن تونس ومصر الأكثر تجانسا تعانيان من أنظمة غاية في الاستبداد .

ويتساءل دايموند بعد ذلك(باستنكار)" ربما يكون الأمر أن السكان العرب ببساطة لا يرغبون في الديمقراطية الانتخابية أو لا يقدرونها بالشكل الذي أصبحت عليه الجمهوريات الشعبية التي يرغب بها معظم سكان العالم. ولكن بعد ذلك، كيف نفسر القطاع العريض من الجمهور العربي – والذي يزيد بشكل كبير عن 80 % في الجزائر ،والأردن، والكويت، والمغرب، والسلطة الفلسطينية، وحتى العراق - الذين يتفقون على أنه "على الرغم من بعض العيوب، إلا أن الديمقراطية هي أفضل نظام حكومة"، وأن "وجود نظام ديمقراطي سيكون جيدًا لبلدنا؟" ليس فقط دعم الديمقراطية واسع جدًا في العالم العربي، بل أنه لا يختلف بحسب درجة التدين. "في الواقع، المسلمون الأكثر تدينًا مثل المسلمين الأقل تدينًا على حد سواء على استعداد للإيمان بأن الديمقراطية، على الرغم من عيوبها، هي أفضل نظام سياسي." نظرًا للطريقة التي تجري بها الانتخابات في العراق ثلاث مرات في عام 2005، وسط مخاطر شديدة وجدية على سلامتهم الجسدية، من الصعب الاستنتاج أن العرب لا يهتمون بالديمقراطية. على العكس من ذلك، عندما تقدم الانتخابات (كما هو الحال في مصر) خيارًا ضئيلًا وغير محفز، أو حينما تكون (كما هو الحال في المغرب) ذات تأثير ضئيل في تحديد من سيحكم حقًا، فليس من المستغرب أن يصبح معظم الأشخاص سلبيين ويختارون عدم التصويت".

ويشير الكاتب إلى نتائج المرصد العربي للديمقراطية والذي يقوم بين فترة وأخرى بمسح رأي الجمهور العربي حول الديمقراطية فيشير إلى أنه على الرغم من وجود أناس متطرفين في الديمقراطية العلمانية يقابلهم متطرفين في التدين وضرورة اعتبار الدين مصدراً للقوانين إلا أن كلا الطرفين يتفقان على أهمية الديمقراطية بشكل عام وأن دائرة الرغبة في الديمقراطية تتسع مع الوقت وتزيد بين الجماهير العربية.

ويختم الكاتب هذا الجزء من دراسته والتي حاول فيه تفنيد الادعاء بأن الدين والإسلام على وجه التحديد هو السبب في انعدام الديمقراطية في العالم العربي بذكر التجربة الجزائرية عندما انقض العسكريون على السلطة بعد فوز التيار الإسلامي في الانتخابات 1991 ما أدى إلى مقتل 150.000مدني نتيجة ذلك ما يكشف عن حجم الخوف لدى الأنظمة والدول ذات المصلحة من وصول الإسلاميين إلى السلطة في حال وجود أي عملية انتخابية حقيقية ضمن سياق ديمقراطي.

وتحت عنوان التنمية الاقتصادية والهيكل الاجتماعي  يفند الكاتب الادعاء القائل بأن العلاقة بين الاقتصاد والديمقراطية علاقة طردية فيقول:" إذا كان الأمر كما  ادعاه سيمور مارتن قبل خمسين عامًا، وهو  أنه كلما كانت الدولة أكثر ثراءً، كانت آفاقها لاكتساب الديمقراطية والحفاظ عليها أفضل. ومع ذلك، في الوقت الحالي، هناك العديد من الدول العربية التي تعتبر "ثرية جدًا". إذا قارنا مستويات الدخل للفرد (بالقوة الشرائية للدولار  لعام 2007)، فإن الكويت تقريبًا ثرية مثل النرويج، والبحرين على قدم المساواة مع فرنسا، والمملكة العربية السعودية مع كوريا، وعمان مع البرتغال، ولبنان مع كوستا ريكا. فقط مصر والأردن والمغرب وسوريا واليمن يقعون في أدنى المنحنى، ولكن لا تزال هذه البلدان ليست أكثر فقرًا من الهند أو إندونيسيا، حيث تعمل الديمقراطية على الرغم من نقص الازدهار العام."

ويستدرك قائلا:" بالطبع، يمكن أن تكون الأرقام المتعلقة بالدخل للفرد مضللة. يمكن أن يكون توزيع الدخل متفاوتاً بشكل سيء - وهو الحال في العالم العربي. علاوة على ذلك، تبدو الدول النفطية على وجه الخصوص أكثر تطورًا من الواقع. تحتل معظمها مراتب أقل في "التنمية البشرية" مما تحتله في الدخل النقدي للفرد (تحتل السعودية مرتبة أقل بـ 31 مرتبة؛ والجزائر بمقدار 19 مرتبة). ومع ذلك، عندما ننظر إلى مستويات التنمية البشرية (التي تأخذ في الاعتبار التعليم والصحة أيضًا)، فإن أغنى دول النفط العربية تقارب على الأقل البرتغال وهنغاريا، بينما تحتل السعودية مرتبة مع بلغاريا وبنما. وبالنسبة للدول العربية التي ليس لديها نفط أو لديها قليل جدًا للتصدير، نرى أن مصر لا تزال تحتل مرتبة مع إندونيسيا، والمغرب مع جنوب أفريقيا. بعبارة أخرى، يمكن العثور على أي مستوى من التنمية، وبأي قياس، على العديد من الديمقراطيات التي تكون متقدمة بنفس قدر الدول العربية غير الديمقراطية المعنية."

ويختم الكاتب هذا الجزء بالتركيز على أنه لا يمكن اعتبار الاقتصاد عاملا حاسما في انتشار الديمقراطية حيث أن الدول العربية الغنية والفقيرة تتساوى في افتقارها للديمقراطية.

ويرى الكاتب بأن الحكم الاستبدادي في المنطقة العربية ضارب بجذوره في أعماق المجتمعات العربية وهياكلها وبشكل معقد يصعب تفكيكه وذاك أنه تم بناؤه على فترات زمنية بعيدة مقارنة بعمر الدول العربية حديثة النشأة بشكلها الحالي وأنه قادر على التكيف مع المتغيرات التي تطرأ على العالم من ذلك عندما تزداد المطالبة بالديمقراطية وتوشك أن تنفجر الأمور تبدأ الأنظمة الاستبدادية العربية بتقديم شيء من التنازلات على شكل مساحات من الديمقراطية المزيفة وما ان تستقر لها الأمور حتى تعود تبطش بخصومها بشكل أشد من قبل ، وأن الأنظمة الاستبدادية العربية مهما بلغ التناقض بينها إلا أنها في جوهرها واحد وهي تتعاون مع بعضها البعض ويدعم بعضها بعضا هذا فضلا عن الدعم الاستخباراتي الغربي الكبير الذي تحظى به الأنظمة لبسط سيطرتها على شعوبها وتوطيد أركان حكمها.

ويتوسع الكاتب في ضرب أمثلة على ما يمكن تسميته بالتنفيس السياسي للشعوب بالحديث عن تجربة بعض الدول العربية فيقول: " في الواقع، حتى في مثل هذه الأنظمة، التحرر نفسه لايسير بكل خطي بل هو موسمي يأخذ أشكالا متعرجة صعودا وهبوطا ولكنه في النهاية يراوح مكانه. فعندما تزداد الضغوط، سواء من داخل المجتمع أو من الخارج، يخفف النظام من قيوده ويسمح بزيادة النشاط المدني ويوسع مجال الانتخابات المفتوحة أكثر - حتى تظهر المعارضة السياسية وكأنها مسيطرة بشكل جدي وفعال. ثم يعود النظام إلى طرق أكثر وقاحة بالتلاعب في الانتخابات، وتقليص المساحة السياسية، واعتقال الناشطين السياسيين.

وخير مثال على ذلك المسار السياسي الذي اتبعته مصر في عامي 2004 و2005. فقد كان الحاكم الاستبدادي المسن، الرئيس حسني مبارك، يتعرض لضغوط متزايدة من داخل المجتمع ومن الخارج من تحالف معارضة واسع النطاق يُعرف باسم "كفاية" (التي تعبر بإيجاز عن المزاج في البلاد)، بالإضافة إلى الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش، الذي كان يدفع أيضًا نحو انتخابات رئاسية وتشريعية أكثر انفتاحًا وتنافسية. على نحو متردد، وافق مبارك على السماح بانتخابات رئاسية تنافسية ثم انتخابات تشريعية أكثر شفافية في عام 2005. ومع ذلك، كانت "الفرص" الرئاسية لا تزال غير عادلة بشكل كبير، وفي غضون ثلاثة أشهر من الاقتراع (الذي تدعي الأرقام الرسمية أن الرئيس مبارك فاز به بنسبة 88.6 في المئة) تم الحكم على منافس مبارك، أيمن نور، بالسجن لمدة خمس سنوات. وفي تلك الفترة، تدخل النظام أيضًا في الجولتين الثانية والثالثة من الانتخابات البرلمانية لتقويض الإدارة المستقلة للتصويت، وتجعل مراقبة المجتمع المدني بلا فعالية، وتوقف إيقاع انتصارات المعارضة عن طريق مرشحي جماعة الإخوان المسلمين الذين يترشحون كـ "مستقلين". وبعد ذلك وليس بوقت طويل، بدأ الحزب الحاكم حملة "إصلاح" دستوري للحيلولة دون حدوث أي "حوادث" سياسية مستقبلية، في حين تابعت المعارضة المنهكة والمنقسمة، التي تم إضعافها بالاعتقالات والترهيب، وهي تشاهد بلا قوة تقريبية من إدارة بوش تقديم الدعم الفعلي. كانت مناورة مؤسسية جزءًا من نمط عام عربي لـ "الإصلاح الموسمي"، حيث تعتمد الدول الاستبدادية العربية لغة الإصلاح السياسي لتجنب الواقع، أو تتبنى تحسينًا اقتصاديًا محدودًا و إصلاحات اجتماعية لمتابعة التحديث دون الديمقراطي".

ويسترسل الكاتب فيقول:

"إلى حد ما يُسمح بالمنافسة السياسية والتعددية في هذه الأنظمة العربية (التي تشمل الجزائر ،والأردن، والكويت، والمغرب، بالإضافة إلى مصر)، و ذلك يحدث وفقًا لقواعد ومعايير وضعت بعناية لضمان أن يكون المعارضون للنظام عرضة للتهميش والتقويض. يتم اختيار وتوجيه الممارسات الانتخابية (مثل استخدام الأردن للتصويت بنظام الصوت الواحد غير القابل للتحويل، أو) لتفضيل العلاقات الشخصية والمرشحين القبليين على الأحزاب السياسية المنظمة، وخاصة الأحزاب الإسلامية. وهذا يفرض على البرلمانات التي تنشأ عن هذه الانتخابات المحدودة عدم التمتع بأية سلطة حقيقية للتشريع أو الحكم، حيث تبقى السلطة في يد الملوك الوراثيين والرؤساء الإمبراطوريين".

 

وفي المقابل  تواجه الأحزاب المعارضة تبعات خطيرة سواء قاطعت هذه الألاعيب الانتخابية أو شاركت فيها. فإذا شارك المعارضون في الانتخابات والبرلمان، فإنهم يخاطرون بأن يصبحوا أدوات طيعة - أو على الأقل يظهرون على هذا النحو في نظر الناخبين الساخطين والمتشائمين. و إذا قاطعوا الانتخابات ، فإن "اللعبة الخارجية" من الاحتجاج والمقاومة لا توفر احتمالًا واقعيًا للتأثير، وفي مثل هذه الحالة تنقسم المعارضة السياسية في العالم العربي وتصبح مشتتة ومشبوهة يمزقها الصراع الداخلي. وتلعن سواء قررت القيام بذلك أم لا. حتى الإسلاميين في دول مثل مصر والكويت والمغرب ينقسمون إلى مجموعات مختلفة، على طول خطوط معتدلة ومتشددة (وأخرى تكتيكية وتنافسية)".

وتحت عنوان " تعرجات السياسة" حاول دايموند تفكيك الوضع في البلاد العربية لمحاولبة الاقتراب بشكل أكبر من المشهد هناك وفي هذا الجزء تحدث عن دور المنح المالية الضخمة التي تمنح للأنظمة الحاكمة من الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا والتي تستغلها الأنظمة لتوطيد حكمها وكذلك الصراع العربي الإسرائيلي والذي يراه ستاراً تتذرع فيه الأنظمة المستبدة في الوطن العربي لادعاء أن الأولوية ليست لمحاربة الفساد وبناء نظام ديمقراطي وإنما لمحاربة العدو الصهيوني هذه الفكرة التي اختزلتها الأنظمة في المقولة الزائفة ( لا صوت يعلو فوق صوت المعركة).

وباختصار وبعد تفنيد الكاتب للادعاءات بأن انعدام الديمقراطية في العالم العربي يعود للدين الإسلامي، أو لطبيعة الشعوب العربية وميلها للرضوخ والانصياع وكرها للديمقراطية، أو الثروات الهائلة الناجمة عن البترول أو الطائفية ووجود الأقليات العرقية فإن دايموند يحدد العوامل التالية كأسباب رئيسة لعدم توافر الديمقراطية في العالم العربي وهي:

  • الأنظمة الفاسدة المتجذرة في المجتمعات العربية على مر السنين.
  • المساعدات والمنح الأمريكية والأوروبية التي تقدم للأنظمة المستبدة والتي تساعدها في توطيد حكمها.
  • التعاون الاستخباراتي والأمني بين الأنظمة المستبدة في الوطن العربي من جهة  والولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية من جهة أخرى والذي يسهم في إجهاض ثورات الشعوب نحو الحرية في مهدها.
  • تعاون الأنظمة المستبدة في العالم العربي  مهما كان بينها من تناقضات.
  • الصراع العربي الإسرائيلي والذي يشتت الأنظار عن القضية الجوهرية وهي الديمقراطية ومحاربة الفساد.

وفي ختام الدراسة التي تم إجراءها عام 2010 أي قبل اندلاع الربيع العربي بفترة وجيزة استشرف دايموند المستقبل حيث نبه إلى أن الظروف تتغير وإلى أن وسائل التواصل الإجتماعي بين المجتمعات اصبحت خارج السيطرة وأن الأجيال الجديدة تتطلع إلى الحرية والديمقراطية وإن لم تقم الأنظمة الشائخة حسب وصفه بتطوير أنفسها فستواجه تحد كبير يتعلق بوجودها واستمرارها ولكن هذا التحدي لن يكون سهلا على شعوب المنطقة التي ستجد مقاومة هائلة من الأنظمة المستبدة في المنطقة العربية للتغير وهذا هو ما تم بالضبط .


منتدى ثقافي علمي ناطق بالعربية وهو مساحة نتشاركها جميعًا لنتحدث عما يجول في أذهاننا وما نتحدث فيه مع أصدقائنا في ما لا تتطرق له وسائل الإعلام، سواءً كانت فكرة جمعك حولها نقاش مع أصدقائك،.