التفكير الحر حق لكل مواطن عربي

دراسات مختارة

الموقف الأمريكي من العدوان الإسرائيلي على غزة: خلفيات التحول في سياسة إدارة بايدن وحدوده

منذ اليوم الأول للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة اتخذت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن موقفاً متطرفاً في دعم حكومة الاحتلال الإسرائيلي برئاسة بنيامين نتياهو موظفة كل إمكانياتها بهذا الاتجاه فقد استخدمت حق النقض الفيتو عدة مرات لإجهاض أي مشروع أممي لوقف اطلاق النار  متحدية بذلك الإرادة الدولية الساعية لوقف العدوان السافر على الشعب الفلسطيني كما أمدت إسرائيل بالسلاح والعتاد ووظفت أبواقها الإعلامية في خدمة دولة الاحتلال في محاولة منها لشيطنة المقاومة لتبرير الجرائم التي اقترفت بحق أبناء الشعب الفلسطيني والتي كان ضحيتها من الأطفال، والنساء، والشيوخ، والمدنيين العزل.

 

لقد اضطرت الإدارة الأمريكية مؤخراً وتحت وقع الأزمة الإنسانية غير المسبوقة التي شهدها قطاع غزة وكذلك الضغط الجماهيري المتصاعد في العالم وفي الولايات المتحدة الأمريكية والذي بات يهدد بشكل جدي حظوظ الرئيس الأمريكي في الفوز بولاية جديدة ، إلى تعديل موقفها والضغط على الجانب الإسرائيلي ليقبل بهدنة إنسانية مؤقتة .

 

المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات وفي محاولة منه لتفكيك المشهد ومحاولة فهم خلفيات هذا التحول في الموقف الأمريكي وحدوده قام أعد دراسة (تقدير موقف) بعنوان " الموقف الأمريكي من العدوان على غزة  : خلفيات التحول في سياسة إدارة بايدن وحدوده"  وقد تناولت الدراسة المحاور التالية : تعاظم الضغط من داخل الإدارة، تغيير تكتيكي؟، خطوط بايدن الحمراء.

 

وترى الدراسة أن الامتعاض الذي بدأت الإدارة الأمريكية تظهره في الآونة الأخيرة من الانتهاكات التي ترتكبها حكومة الاحتلال بحق المدنيين الفلسطينيين، والبني التحتية في قطاع غزة ناجم عن موقف بعض حلفائها في المنطقة والذين أبدوا استياءً شديداً من السماح لإسرائيل بالإمعان في قتل الفلسطينيين دون حسيب ولا رقيب تحت ذريعة الدفاع عن النفس وهذا هو الموقف الذي عبرت عنه بشكل جلي كل من الحكومتين الأردنية والتركية.

بالإضافة إلى ذلك فإن الشارع العربي والإسلامي المحتقن و الذي بدأ يغلي جراء هذا الدعم الأمريكي السافر للمجازر الإسرائيلية التي ترتكب بحق الفلسطينيين دون أي اعتبار للقانون والأعراف الدولية وحقوق الإنسان التي طالما قدمت الولايات المتحدة الأمريكية نفسها كمنافحة عنها حتى أنه -ووفقاً للدراسة- فإن بعض الدبلوماسيين الأمريكيين حذروا من أن الدعم الأمريكي المطلق للعدوان الإسرائيلي "سيفقد أمريكا العرب لجيل كامل" .

 

وتحت عنوان " تعاظم الضغط من داخل الإدارة" ذكرت الدراسة أن مكتب بايدن تلقى العديد من رسائل الاحتجاج من داخل إدارته كان آخرها رسالة تسلمها البيت الأبيض في 15/تشرين الثاني – نوفمبر 2023، موقعة من قبل أكثر من 500 سياسي أمريكي في 40 وكالة حكومية جاء فيها " "إننا ندعو الرئيس بايدن إلى المطالبة عاجلا بوقف إطلاق النار، والدعوة إلى وقف تصعيد الصراع الحالي من خلال ضمان الإفراج الفوري عن الرهائن الإسرائيليين والأسرى الفلسطينيين، واستعادة خدمات المياه، والوقود، والكهرباء وغيرها من الخدمات الأساسية، ودخول المساعدات الإنسانية الكافية إلى قطاع غزة" .

فضلا عن هذه الرسالة فإن الدراسة تذكر أن هنالك رسائل أخرى وصلت البيت الأبيض من مجموعة من السياسيين والمسؤولين الأمريكيين الساخطين من الدعم الأمريكي اللامحدود للحكومة الإسرائيلية وصل بعضها حد اتهام بايدن بالتواطئ في جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكب في غزة.   

 

وتبين الدراسة أنه بالرغم من ادعاء الناطق الرسمي باسم الخارجية الأمريكية ضعف تأثير تلك الرسائل في سياسة إدارة بايدن إلا أن وزير الخارجية الأمريكي بلينكن اضطر للاجتماع بعدد من الموظفين الساخطين.

 

وترى الدراسة بأن القلق بدأ يتسرب لحملة بايدن الرئاسية من فقدان أصوات شريحة الشباب التقدمي في حزب العمال الداعم لحقوق الفلسطينيين، وكذلك أصوات العرب والمسلمين الأمريكيين التي مكنته من الفوز في بعض الولايات والتي عجزت هيلاري كلينتون عن حشدها لصالحها ما أدى إلى خسارتها أمام ترامب في العام 2016. كما ويذكر البحث أن استطلاعات الرأي التي أجريت مؤخراً في الولايات المتحدة تشير إلى أن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بات الأوفر حظا بالفوز في الانتخابات الرئاسية القادمة.

 

وتحت عنوان " تغير تكتيكي" ذكرت الدراسة أن الرئيس الأمريكي جو بايدن وفي اجتماع مغلق حذر رئيس حكومة الاحتلال من تداعيات الوضع الإنساني على صورة إسرائيل في العالم وأن دعم إسرائيل بدأ يتآكل بشكل كبير مبيناً أن استهداف المستشفيات والمدارس سيكون له تداعيات خطيرة في المستقبل على إسرائيل.

وبينت الدراسة أن الرئيس الأمريكي قدم مقترحا باتباع استراتيجيات الهدن التكتيكية بحيث يتم الاتفاق على وقف إطلاق النار خلال ساعات معينة يسمح أثناءها بدخول المساعدات الإنسانية لقطاع غزة ما سيخفف من الاحتقان الدولي الذي بدأ يتصاعد من جهة ويهيء الفرصة من جهة أخرى للتوصل إلى هدنة يتم خلالها إطلاق الرهائن الإسرائيليين مقابل الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين.

 

وكشفت الدراسة عن أن الإدارة الأمريكية تعتبر إعادة احتلال قطاع غزة خطاً أحمراً و أنها قدمت مجموعة من البدائل عوضاً عنه كتولي السلطة الفلسطينية إدارة القطاع أو أن يتم الإشراف على القطاع من قبل مصر والأردن لكنه في ظل رفض نتنياهو السماح للسلطة بالعودة إلى القطاع وامتناع كل من الأردن ومصر عن تحمل تبعات ما يحدث في غزة تعد هذه المقترحات مقترحات غير واقعية.

 

وتخلص الدراسة إلى أنه يسود الإدارة الأمريكية ارتباك كبير بشأن مقاربتها للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة مبرهنة على ذلك بالمواقف المتناقضة للإدارة الأمريكية، "فهي تدعو إسرائيل إلى ضبط النفس وتجنب إيقاع خسائر بين المدنيين الفلسطينيين، وفي الوقت نفسه، تقرر تزويدها بقنابل دقيقة التوجيه تبلغ قيمتها 320 مليون دولار، وفي حين ترفض الإدارة مطالبة إسرائيل بوقف إطلاق النار وتدعم مسعاها للقضاء على حماس، فإنها تدعوها إلى إعادة النظر  في هذا "الهدف الكبري" صعب التحقق".

 

لكنه ما بات مؤكداً  -وفقا للدراسة- أنه ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية الأمريكية بدأ صبر إدارة بايدن ينفذ تجاه سياسة إسرائيل المتخبطة في عدوانها على القطاع وأنه من المرجح بشكل كبير ومع مرور الوقت أن يشهد الموقف الأمريكي تغيراً كبيراً في سياسة واشنطن ومقاربتها للحرب الإسرائيلية على القطاع.   


منتدى ثقافي علمي ناطق بالعربية وهو مساحة نتشاركها جميعًا لنتحدث عما يجول في أذهاننا وما نتحدث فيه مع أصدقائنا في ما لا تتطرق له وسائل الإعلام، سواءً كانت فكرة جمعك حولها نقاش مع أصدقائك،.