لقد وضعت الولايات المتحدة الأمريكية ومنذ اليوم الأول للعدوان الإسرائيلي على غزة نفسها في الخندق الإسرائيلي، زاجة بنفسها وبكل ثقلها إلى الجانب الإسرائيلي بتزويده بكل أشكال الدعم السياسي، والاقتصادي، والعسكري، والإعلامي، واللوجستي هذا فضلا عن عرقلة أي إجراء من شأنه كبح جماح إسرائيل أو تجريم أفعالها البشعة أو حتى التشكيك بما تقوم به من أعمال ترقى إلى الإبادة الجماعية في غزة.
وبالرغم من هذا الدعم الكبير إلا أنه ومع توالي أيام الحرب بدأ التمايز في تفاصيل الموقفين الأمريكي والإسرائيلي من الحرب يصبح أكثر وضوحا مع الاتفاق على الاستراتيجيات المتمثلة في ألا يشكل قطاع غزة مستقبلا أي تهديد لإسرائيل، وألا تعود حماس وقوى المقاومة لحكم قطاع غزة مجدداً، أما الخلاف في التكتيكات التفصيلية بين الإدارة الأمريكية وحكومة بنيامين نتنياهو فقد لخصتها الدراسة الصادرة عن مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات والذي مركزه بيروت تحت عنوان " محددات السياسة الأمريكية تجاه الحرب الإسرائيلية على غزة واتجاهاتها المستقبلية" على النحو التالي:
-
الاختلاف حول الجهة التي سيناط بها إدارة القطاع بعد القضاء على حماس؛ حيث ترى الإدارة الأمريكية أن الأقدر على إدارة القطاع هو ما أسمته بالسلطة الفلسطينية "المتجددة" والتي بطبيعة الحال ستكون امتداداً للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية الأمر الذي لا توافق عليه إسرائيل التي ابتدعت صيغة محلية لإدارة القطاع من خلال وجهاء العشائر في غزة والذين سوف يرتبطون بها بشكل مباشر.
-
الخلاف حول الأوضاع الإنسانية في غزة؛ ففي حين تدفع الإدارة الأمريكية باتجاه ضمان وضع إنساني متوازن داخل قطاع غزة من خلال السماح بدخول المساعدات التي تحول دون وقوع كارثة إنسانية في القطاع تصر إسرائيل على حصار أهالي غزة وتجويعهم وحرمانهم من أبسط مقومات الحياة من طعام وعلاج بهدف التضيق على حماس وابتزازها ودفع حاضنتها الشعبية للانقلاب عليها وعلى المقاومة.
-
الاختلاف حول طبيعة العمليات العسكرية التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة؛ ففي حين تصر الحكومة الإسرائيلية على القيام بعمليات وحشية تستهدف المستشفيات، والمدارس، والمؤسسات الدولية وتوقع خسائر فادحة في صفوف المدنيين بممارسات ترقى إلى جرائم حرب في سياق إبادة جماعية ترى أمريكا أنه يتوجب الانتقال للمرحلة الثالثة من القتال والتي تتضمن القيام بعمليات نوعية تستهدف المقاومة بشكل مباشر ومحدود ولا توقع خسائر كبيرة في صفوف المدنيين.
-
الخلاف على إدارة ملف تبادل الأسرى؛ حيث تسعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى إتمام صفقة تبادل الأسرى بوساطة قطرية مصرية في ظل هدنة بين الطرفين في حين يعرقل نتنياهو أي جهود لإتمام الصفقة أو وقف إطلاق النار.
-
الاختلاف حول احتلال غزة من قبل إسرائيل التي تسعى إلى إعادة بسط سيطرتها بشكل كلي على قطاع غزة وبقائها داخل القطاع لأجل غير مسمى، في حين تدعم واشنطن تواجداً إسرائيلياً مؤقتا في القطاع لحين الانتهاء من تنفيذ العملية العسكرية ومن ثم انتقال الإدارة في غزة إلى السلطة الفلسطينية المتجددة وعودة الجيش الإسرائيلي إلى مواقعه خارج القطاع.
-
الخلاف حول الهجوم على رفح؛ حيث تصر القيادة الإسرائيلية على اقتحام رفح في حين تدعو الإدارة الأمريكية إلى التريث وإلى ضمان سلامة السكان المدنيين آملة في التوصل لصفقة تجهض هذا الخيار والذي سيترتب عليه كارثة إنسانية من شأنها أن تحرج الولايات المتحدة الأمريكية.
-
الاختلاف على المدى الزمني للحرب؛ حيث يصر نتنياهو على مواصلة الحرب دون سقف زمني محدد وحتى تحقيق الانتصار الكامل، وإنجاز الأهداف في المقابل تعتقد الإدارة الأمريكية أن هذا غير ممكن وأن لنتنياهو مآرب شخصية من وراء هذا الفعل وهي التهرب من المساءلة عن إخفاق السابع من أكتوبر، وتجنب الخضوع للمحاكمة القضائية على شبهات فساد بحقه.
-
الاختلاف حول سياسة اليمين المتطرف المتمثل في وزير الأمن الداخلي " إتمار بن جفير" والذي يسعى إلى تسليح المستوطنين، وتوفير غطاء لجرائمهم بحق الفلسطينيين، في المقابل تنتقد الولايات المتحدة هذه السياسة وتفرض عقوبات على بعض المستوطنين الإسرائيليين.
-
الاختلاف حول التهجير القصري للفلسطينيين من سكان قطاع غزة؛ ففي حين تسعى إسرائيل وبشكل علني إلى تهجير سكان قطاع غزة باتجاه مصر فإن الولايات المتحدة باتت وبشكل قطعي ترفض هذه العملية خشية من تأثيرها على استقرار المنطقة وعلى حلفائها في الإقليم.